بعد مرور أكثر من ١٠٣ عام على قيام ثورة ١٩١٩، نسترجع ونعيش تلك الأجواء الملحمية مرة أخرى في عمل سينمائي توثيقي لتلك المعركة التاريخية وهو فيلم كيرة والجِن للكاتب والروائي أحمد مُراد والمقتبس عن روايته ١٩١٩ والتي صدرت عام ٢٠١٧.
والمُميز في ذلك العمل وسبب احتفاءنا به هو نُدرة وجود أعمال تفصيلية توثيقية تَختص المُقاومة بُكل تركيزها وتكشف أسرار لم يتم توثيقها من قبل أو التركيز على أثرها على مسار الحياة السياسية في مِصر في تلك الفترة بالذات.
وبعيدًا عن كون بداية القرن العشرين في مِصر ظلت فترًة مُبهمة لسنوات طويلة وطُمست الكثير من تفاصيلها ربما عمدًا أو جهلًا، وربما تفضيلًا وتكريمًا لرموز وشخصيات بدت أهم وأولى بالاهتمام والبحث والتأريخ -والتي كرس لها أحمد مُراد مساحًة من روايته ووقتًا كثيرًا من بحثه- إلا أن العمل لا يتميز فقط بمحاولة نقل صورة مُقربة لتفاصيل راحت عن بال الكثيرين ممن قدموا أعمال أدبية عن ثورة ١٩١٩، ولكن لتخصيص الكاتِب جزء من روايته لنقل الدور النسائي السري والعلني في نضوج شُعلة الثورة واجتياحها الميادين من خلال شخصيات مثل شخصية “دولت فهمي” المناضلة المصرية التي لعبت دورها الفنانة هِند صبري.
يُعرض فيلم كيرة والجن حاليًا في السينمات. الفيلم من بطولة كريم عبد العزيز وأحمد عز وهند صبري وروبي وأحمد مالك والعديد من أبطال الصف الأول.
ببساطة كان اعتقال سعد زغلول وزعماء الوفد المصري هو البذرة التي نمت بسببها جذور الثورة، حيث طالب سعد زغلول ورفاقه السفر إلى باريس للمطالبة بحقوق المصريين المُغتصبة في مؤتمر الصُلح، ولكن أمانيهم تلك قوبلت بالزجر والرفض.
حينها لجأ سعد زغلول ووفده للقوة الشعبية وقاموا بجمع توكيلات موقعة من الجموع الغفيرة تقضي برغبة المصريين في أن يمثلهم سعد ورفاقه في مؤتمر الصلح مما أدى في النهاية إلى اعتقالهم اندلاع نار الثورة في كُل مكان.
وإذا كانت فترة الحرب العالمية الأولى وتوابعها في مِصر فترة قلما ناقشتها السينما أو الأعمال الأدبية وحتى الأفلام الوثائقية، يمكنك أن تتخيل الصورة الضبابية لدور المرأة في الثورة. وكلمة “ثورة” أيضًا قلما رُبطت تاريخيًا بالمرأة سواء وُجِد دورها أم لا، في النهاية كان الزمن هو بداية القرن العشرين، حيث معركة المرأة مع المساواة في مرحلة المهد.
ولكن الأعين بدأت تُفتح تدريجيًا استيعابًا للصورة الحقيقية لشوارع مصر عام ١٩١٩ وبدأ التاريخ خطوةٍ بخطوةٍ، يُفسح مجالًا لفتيات وسيدات مِصر للمُطالبة بأماكنهن داخل تلك الصورة التي سيطر عليها العنصر الذكوري لفترة ليست بالقصيرة.
بل الشيء الأكثر إيلامًا هو غياب هوية شهيدات الثورة والأسماء الأقل شهرة من نساء مِصر عن كُتب التاريخ وعن الصورة الكاملة للثورة.
حميدة خليل وشفيقة محمد وفهيمة رياض وعائشة عمر وسيدة حسن وغيرهن من النساء اللاتي أريقت دمائهن في شوارع مصر وغَفل الجميع عن ترديد أسمائهن وتخليدها.
كُلهن كانوا إما يقودن مظاهرات أو يُشاركن وسط الجموع لينتهي بهن الأمر بطلقات نارية في أماكن مُتفرقة من أجسادهن.
وبجانب شهيدات الثورة يجب أيضًا أن نسترجع أسماء سيدات مصريات شهيرات من الطبقة المتوسطة والعُليا، قادوا ونظموا حركات الكثير من مثيلاتهن وأيضًا سيدات من جميع الطبقات والفئات العُمرية.
أم المصريين صفية مصطفى فهمي زوجة زعيم الأمة سعد زغلول من رائدات ثورة 1919 ومن أوائل السياسيات في فترة كان دور المرأة في عالم السياسة مُتلخلخ.
تزوجت صفية زغلول من سعد زغلول وهو مجرد قاضٍ وساندته فيما بعد في حربه ضد الاحتلال لذا لُقبت بـ صفية زغلول.
وعلى الرغم من كون السيدة صفية تنتمي لأسرة أرستقراطية -فهي ابنة مصطفى فهمي باشا وهو من أوائل رؤساء الوزراء في مصر- إلا أنها كانت تشعر بأوجاع جميع الطبقات وتستمع بإذُن الأم لآلامهم وهمومهم ولم تكف عن الدفاع عن حقوق المصريين سواء بالخطابات الحماسية والتحفيزية التي ألهبت الشارع المصري أو بتنظيمها للمظاهرات النسائية ضد الاحتلال، فكانت تجتمع بالسيدات والفتيات في منزل سعد زغلول وتناقش معهن مطالبهن القومية وحقوقهن في التعليم والمشاركة في العالم السياسي.
ابنة محمد سلطان باشا رئيس أول مجلس نواب مصري في عهد الخديوي توفيق، ولدت عام ١٨٧٩ وهي من أهم وأول الناشطات المصريات النسويات في القرن العشرين وكانت في أوائل الصفوف بجانب السيدة صفية زغلول في قيادتها للحركة النسائية في ثورة ١٩١٩.
كما أنشأت هدى شعراوي لجنة سيدات الوفد وأول اتحاد نسائي مصري وكانت هي رئيسة الوفد المصري إلى مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي في روما في عام ١٩٢٣.
الملقبة بـ “سيزا نبراوي” والصديقة المُقربة لهدى شعراوي، أيضًا كانت من منظمات الحركة النسائية ومن أوائل النساء المشاركات في مظاهرات ١٩١٩.
كانت سيزا رئيس تحرير مجلة L’Egiptienne الفرنسية التابعة للاتحاد النسائي الذي كانت ترأسه هدى شعراوي، والذي ترأسته سيزا أيضًا بعد وفاة هدى. بل أنها أصبحت فيما بعد رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي الدولي في برلين.
ساهمت سيزا نبراوي في تحقيق بعض مطالب نساء مصر ومنها حق الفتاة في التعليم ورفع سن الزواج إلى ١٦ عامًا والسماح لها بالمشاركة في الحياة السياسية من خلال اعتلائها للمناصب وترشُحها للبرلمان.
كانت الفنانة روز اليوسف في مقدمة المظاهرات النسائية ومن أوائل الفنانات اللواتي دعمن الثورة ونزلن إلى االشوارع، حيث خرجت مع ماري إبراهيم وأصدقاء المسرح والعاملين به.