هرم سقارة أبهر الحضارة المصرية والعالم أجمع، فقد انبهر العالم باحتفال نقل موكب المومياوات وحفل افتتاح طريق الكباش بالأقصر. ولازالت الحضارة المصرية القديمة تُخبئ لنا الكثير من الاكتشافات الأثرية، التى تجسد لنا عُمق تاريخ مصر القديمة، وتوضح لنا أسلوب معيشتهم وحياتهم، ومن أشهرها، هرم سقارة.
يُعتبر هرم زوسر المدرج أحد أشهر المعالم الأثرية والذي ذُكر في كتب تاريخ مصر القديمة، بل إنه نقطة تحول تاريخية هامة فى الآثار الجنائزية المصرية القديمة. كما أنه يُمثل ثورة ضخمة فى الهندسة المعمارية الحجرية والدفن الملكي. وهرم سقارة هو أول هرم بناه المصريون، وأقدم بناء حجرى معروف على مر التاريخ.
يعد هرم سقارة أو الهرم المدرج كما يُطلق عليه، وقد سُمي بهذا الاسم نسبة إلى معلم أثري بجبانة سقارة التي تقع شمال غرب مدينة ممفيس القديمة فى مصر.
أسس هرم سقارة الوزير امحوتب خلال القرن ٢۷ قبل الميلاد لدفن زوسر. وكان المهندس امحتب بمثابة العامود الفقري للمجموعة الجنائزية الواسعة التى قامت بتشييد الهرم، وما يحيطه من هياكل احتفالية.
تم تشييد هرم سقارة فى عامي ٢٦٦٧ و٢٦٤٨ قبل الميلاد ويبلغ ارتفاعه ٦٢متر. وهذا ما يعادل ٢۰٣ قدم وتبلغ مساحة القاعدة الأساسية للهرم ١٢٥.27 متر* ١۰٩.12 متر أو ما يعادل ٤١١ قدم * ٣٥٨ قدم.
يُمثل هرم زوسر تطورا كبيرا للمصريين القدماء فى تصميم القبور، فكان الهدف الأساسي من بنائه دفن الفرعون زوسر.ويعتبر أول هرم مصرى مُكون من ست مصاطب بُنيت فوق بعضها، وفى هذه الحقبة الزمنية كانت تشيد القبور بمصطبة واحدة فقط.
الهرم مُغطى بالحجر الجيرى الأبيض ويُعتبر هرم سقارة أول بنية حجرية وقتها، ولكن مع الأسف تأثرهرم سقارة بزلزال ۱۹۹٢ مما أدى إلى سقوط أجزاء من مجموعة الجنائزية، وأثر ذلك على الشكل البنائى للهرم.
تم استكشاف مجمع هرم سقارة لأول مرة فى عام ۱٨٢۱ على يد القنصل الألماني هينرتش فون ميوتولى، وتشارك معه فى هذه الرحلة المهندس الإيطالي غيرولانوسيجاتو، فقد قاما بفحص الهرم واكتشاف مدخله، كما أنهما عثرا على بقايا مومياء فى ممراته الداخلية.
تتكون هذه المومياء من جمجمة مُغطاة بالذهب وكعب قدمين مُغطاة بالذهب أيضا. وقتها رجح فون مينوتولى أنها مومياء زوسر، وحصل فون مينوتولى على تفويض من القيصر الألمانى وموافقة من حاكم مصر محمد على باشا.
كما استطاع فى ذلك الوقت الحصول على تصريح بأخذ تلك الآثار مع مجموعة آثار أخرى لعرضها فى ألمانيا، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد نُقلت هذه الآثار على متن سفينة جوتفريد، وهب إعصار شديد بالقرب من ميناء هامبورغ فى ألمانيا.
غرقت السفينة وضاع كل ما كان عليها، اتضح بعد ذلك أن ماعثر عليه فون مينوتولى فى ممرات الهرم المدرج، هى مومياء أخرى تم دفنها فى المقبرة فى وقت لاحق فى العهد القديم.
تولى زوسر عرش مصر، ولُقب باسم حورس نيثرى خت. وهذا يعنى الجسد المقدس، وتولى أمحتب كبيركهنة هيليوبوليس مهمة تصميم وتشييد مقبرة كبيرة لزوسر باعتباره كبير الكهنة والمهندس المُشرف على أعمال بناء الهرم.
اعتقد الكثير من المؤرخين أن فترة حُكم زوسر امتدت لتسعة وعشرين عاما، وذلك بسبب ضخامة أعماله الإنشائية التى قام بها، وذكر المؤرخ الفرعوني مانيتون أن زوسر حكم البلاد لمدة ٢۹ سنة فى الفترة من عام ٢٦٤۰ إلى عام ٢٦١١ قبل الميلاد.
بينما ذكرت بردية تورين أن فترة حكمه وصلت إلى ۱۹ عاما فقط فى الفترة ما بين عامى ٢٦٣۰ و٢٦١١ قبل الميلاد، ووُجد نقش له فى أحد جزر أسوان، ويُحكى أن هذا النقش كان لأكبرمجاعة حدثت فى عهده بسبب نقص فيضان النيل، وخلال هذه الفترة قدم زوسر القرابين لخنوم معبود الشلال.
يُعتبر الملك زوسر من أقوى الملوك الذين حكموا مصر القديمة، واتخذ زوسر منف عاصمة له، واستخرج النحاس والتركواز من سيناء وكون ثروة طائلة وضخمة من هذه الكنوز ساعدته على القيام بأعمال إنشائية كبيرة، فقد قام بتوسيع دولته جنوبا، ومد حدود البلاد إلى ما بعد الشلال الأول، وذلك بعد أن فرض سيطرته على النوبيين.
يعد زوسر أول فرعون من ملوك مصر القديمة قام بإرسال حملات عديدة إلى وادى المغارة فى سيناء لاستخراج النحاس والفيروز.
تم العثور على لوحة منقوشة لزوسر فى هذا الوادي، وتوضح هذه اللوحة الملك زوسر وهو يضرب أحد الأعداء فى الصورة المعروفة للملك مينا، وفى نفس اللوحة تظهر آلهة خلفها شخص يُميزه كتابة هيروغليفية.
بُنى هرم زوسر المدرج على بُعد مسافة واحد ميل من جرف سقارة ليبتعد عن باقى المقابر. ويتكون الهرم من ٦ مصاطب غير متساوية يبلغ ارتفاعه٦٣متر، ومكسو بالحجر الجيرى الأبيض من الخارج. أما من الداخل يتكون الهرم من شبكة ممرات ودهاليز، كما بُنيت غرفة دفن الملك من الرخام والجرانيت.
يرجع عُمر بناء الهرم إلى بداية الأسرة الثالثة قبل عهده، تم دفن الملوك المصريين فى مصاطب. ويشير مصطلح المصطبة إلى نوع من هياكل الجنائزية مُستطيلة الشكل، ومبنية فوق حفرة الدفن تحت الأرض. يتكون الهرم من ٦ مصاطب تُعطى الشكل المُدرج.
يُحيط بالهرم المُدرج ساحة كبيرة محدودة بجدار، وذلك فى عهد زوسر. لم يُصمم امحتب المقبرة على أن تكون هرما فى الأصل، ولكن صمم مقبرة على شكل مصطبة مُربعة عالية.
وفي كتب التاريخ المصري تظهر مراحل بناء الهرم على الناحيتين الجنوبية والشرقية، وما شملتهما من توسعات، وصل ارتفاع الهرم إلى ٦٢ مترا. قاعدته عبارة عن مُربع مستطيل الشكل تبلغ أضلاعه ١٢١ متر * ١٥٩ متر.
بُنيت هذه المصطبة على هيئة مُربع يبلغ طول ضلعه ٦٣ مترا وارتفاعه ٨ أمتار. وتختلف هذه المصطبة عن المصاطب التى بُنيت من قبل، حيث كانت تُبنى على شكل مُستطيل، وتميزت مصطبة زوسربأنها أول مصطبة تُبنى كلها من الأحجار الجيرية، وسُميت بمصطبة M1 .
وفي المرجلة الثانية للبناء، تم توسيع ضلع المصطبة إلى ٧١.5 متر ووصل ارتفاعها إلى ٧ أمتار فقط ، ليظهر على شكل مُدرج. وفى تلك المرحلة تم بناء ۱۱ من الأبوهة في الجهة الشرقية للمصطبة.
في المرحلة الثالثة من البناء تم توسيع المصطبة من جهتها الشرقية إلى ٧٩.5 متر، وغطت دهاليز الجزء الشرقى حتى أنه أصبح مُغطى ببناء ارتفاعه ٥ أمتار.
وفي المرحلة الرابعة للبناء تحول بناء المصطبة إلى هرم ذو ٣ مدرجات يبلغ مساحة ضلعيه 85.5 متر* 77 متر.
يتكون جسم الهرم من أحجار كريمة مُغطاة من الخارج بطبقة من أحجار مُسواة بعناية، وبُنيت أحجار التغطية مائلة إلى الداخل بزاوية نحو ١٧ درجة لتكون مُتماسكة.
خلال المرحلة الخامسة للبناء تم تغطية الهرم الصغير، ليُصبح هرما ذو خمسة أو ستة مصاطب، وتبلغ مساحة قاعدته ١١٩ متر* ١۰٧ متر. وأصبح المدخل الأصلي مُغطى، وتم بناء مدخل آخر فى الأرض على الناحية الشمالية، وبُنى عليها أيضا معبد جنائزى فوق الأرض. وفي هذه المرحلة اُستخدمت أحجار أكبر حجما من ذي قبل.
في المرحلة السادسة والأخيرة للبناء تم توسيع الهرم مرة أخرى، ليصبح ضلعيه ١٢١ متر*١٥٩ متر، وهي ما يُعادل ٢٣١*٢۰٨ ذراع ملكي قديم. وأصبح الهرم ب ٦ مُدرجات، ووصل ارتفاعه ٦٢.٥ مترا. وكانت الدرجة السادسة للهرم مُقوسة بعض الشئ لتظهر مع الهرم فى شكل مُستوي.