هل شاهدت يوماً فيلم مقتبس عن رواية وتمنيت لو التزم كاتب السيناريو بالأحداث الاساسية للرواية؟
“روايات تحولت الى افلام عربيه” شهدت السينما المصرية هذه الظاهرة كثيراً في القرن العشرين، والواحد وعشرين. وعلى الرغم من روعة بعض الأفلام المصرية التي هي في أساسها مبنية على أشهر الروايات إلا أن مسألة تفوق النص المقتبس تظل معقدة وفي بعض الأحيان مستبعدة بالنسبة لبعض المشاهدين والقراء، وبالنسبة لي بشكل خاص.
ولكن هناك بعض الأفلام التي كسرت هذه القاعدة وتركتنا في حيرة أكبر وهي: كيف للعمل المقتبس ان يتفوق علي الاصلي؟ وهناك أيضاً روايات تدور أحداثها في صعيد مصر تحولت لأفلام حصلت علي إعجاب العديد من المشاهدين والقراء وتغلبت علي الرواية الأصلية أيضاً.
سأحاول في هذه القائمة اختيار بعض أفضل الأفلام المصرية التي أضافت للروايات المُقتبسة عنها، وردت الجميل لكُتابها بإحياء قصصهم وجعلها علامة في ذاكرة كل مصري من كل جيل.
هو ليس فقط واحد من علامات السينما المصرية، و لكن السينما العربية ايضاً. بالإضافة إلى طابعه الباقي والدائم إلى يومنا هذا، كذلك طابع ابطاله، سيدة الشاشة العربية، فاتن حمامة، والمايسترو صالح سليم و بالطبع رجل المبادىء محمود مرسي الملقب بعتريس السينما المصرية.
تدور احداث الفيلم عن ليلي فتاة تعيش في اسرة مصرية كباقي اسر المجتمع المصري، تبدأ مشكلتها مع المجتمع ذاته عندما تحاول المشاركة في المظاهرات لتُقابل بكبح و رفض من والدها. تقع في حب ابن خالتها (حسن يوسف) فتزيد علتها وتفقد ثقتها في مجتمعها الصغير و من ثم مجتمعها الاكبر حتي تقابل صديق اخيها (صالح سليم) وتقع في حبه، وتبدأ الأحداث من هنا في التعقيد بسبب ظروف المجتمع التي تحاول ليلى أن تضع ثقتها فيه مرة ثانية.
الرواية من تأليف لطيفة الزيات قد صدرت أول طبعة لها عام ١٩٦٠، وتم تحويلها عام ١٠٦٣ إلى فيلم، سناريو وحوار كل من لثلاثة عمالقة وهم يوسف عيسى، هنري بركات و ال٬ولفة الأصلية لطيفة الزيات.
تفوق الفيلم على النص الأصلي في بعض المناطق، فقد احتوت رواية الباب المفتوح، في رأيي، على الكثير من التفاصيل، والتي اثبت الفيلم امكانية الاستغناء عنها، فقد قام الفيلم باحتوائها وتنقيتها بشكل بارع دون الإضرار بالأحداث الاصلية و الاساسية.
كما أن النهايتين وعلي اختلافهما الكبير، كانتا بشكل ما وجهين لعملة واحدة بل ان نهاية الفيلم لربما لخصت ما حاولت إيصاله لطيفة الزيات في عشرات الصفحات فقط في مشهد النهاية. فقد اجتمعت تقريباً كل الشخصيات الاساسية بكل مشاعرها و تناقضاتها و اختلافاتها في دائرة واحدة و في مشهد واحد عبر عن هدف الكاتبة منذ بداية القصة وصولاً الى تلك اللحظة، وجعل المُشاهد في موقف لا يحسد عليه ما بين الترقب والانتظار والخوف والأمل.
“و أنا لا أنام… لم يعد النوم يعذبني، ولم يعد التفكير فى الشر يقلقني.. ورغم ذلك فإنى لا أنام..”
هكذا أخذنا الرائع احسان عبد القدوس فى رحلة داخل عقل التعيسة، الساهرة نادية التى لا ينام رأسها ولا تُسدل جفون قلبها ابداً.
عندما انتهى عبد القدوس من رواية “لا أنام” كان يعلم أتم العلم ان نادية، فى مخيلته هي فاتن حمامة فى الواقع لذا أدت سيدة الشاشة بالطبع دور البطلة (نادية) وقام سي السيد، يحي شاهين، بدور والدها، أما الوسيم عمر الشريف قام بدور عمها، و شاركهم العمل باقة من أهم نجوم السينما المصرية، عماد حمدى و مريم فخر الدين و هند رستم، و رشدي اباظة و غيرهم.
تدور احداث الفيلم عن فتاة تدعى نادية، ينفصل والديها، لتجد نفسها الكوكب الوحيد الذى يدور في فلك والدها، و الذي يمثل لها كل شىء، حتى يقرر والدها الزواج و هى فى السادسة عشر من سيدة تدعى صفية (مريم فخر الدين)، لتجد نادية نفسها السيدة الثانية في حياته بعدما كانت الأولي، و ترى أنها، بالمعنى المجازي تحولت إلى وصيفة بعدما كانت سيدة القصر. يأخذنا الفيلم فى رحلة داخل عقل ونفسية وعالم تلك الفتاة صاحبة الوجه الملائكى، والعقل الشيطاني لنتساءل هل ستنجح نادية فى العودة إلى كرسي العرش أم ستظل وصيفة صفية إلى أن يحدث ما يغير ذلك.
اذا شاهدت فيلم “لا انام” و قرأت الرواية ايضاً، ربما ستعتقد أن كاتب السيناريو ليس هو نفسه كاتب الرواية، و لكن هذا ليس صحيح. فعلى الرغم من طول الرواية و ثرائها الا أن الفيلم لا يقل امتاع عنها على الإطلاق. فدائماً نجد افضل روايات احسان عبد القدوس غنية بالتفاصيل و الصراعات النفسية، و لكنه عوض عنها فى هذه الحالة بالمُناجاة الداخلية (فى حالة نادية) و المواقف و المشاهد المتتابعة القوية التى تنقل المعنى ورسالة الكاتب دون الحاجة إلى الاكثار من التفاصيل مراعاة لطول الفيلم.
و لكن أرقى ما قدمه لنا الفيلم هو نهايته. و تختلف النهايتين اختلافاً تاماً فنسير مع كلاهما فى طريقين، و ان أدوا بنا الى النهاية ذاتها التى تنتظر نادية، إلا انهما متباينان لأسباب عدة. و إن تعددت الاسباب لن تقف منافساً امام نُبل وعدل عبد القدوس فى اختياره لمصير نادية الأخير التى قادت نفسها إليه و قاد نفسه إليها فى مشهد لن تنساه صناعة السينما.
الرواية صدرت للمرة الأولى عام ١٩٥٨، بينما سبقها الفيلم بعام واحد وكان سيناريو وحوار كل من إحسان عبد القدوس، السيد بدير، صلاح عز الدين و صالح جودت .
يمكنك الإطلاع أيضاً على مجموعة مميزة من مؤلفات احسان عبد القدوس بنبذة عن كل منها و أفضل الإقتباسات فيها.
قصة خان الخليلي قصة فريدة من نوعها تحمل فى طياتها مواضيع كثيرة و تناقش مشاكل اكثر، اجتماعية ونفسية وسياسية، لا يصعب على العبقري نجيب محفوظ أن يجمعها في إناء واحد. و لكن الذى يصعب علينا نحن كقراء اولاً وعشاق ثانياً لأعمال نجيب محفوظ هو عدم حصول الفيلم على الانتباه الذي يستحقه من قبل الأجيال الجديدة.
تدور احداث الفيلم فى حي خان الخليلي، عندما تقرر اسرة عاكف الانتقال من حي السكاكيني إلى حي جديد، متضررين من كثرة الغارات و سقوط القنابل هناك، و تبدأ رحلتنا فى التعرف بأفراد الأسرة التي تتكون من الأب (عبد الوارث عسر) و الأم (آمال زايد) و الابن الاكبر (فتي الشاشة، عماد حمدى) ثم الابن الأصغر (حسن يوسف). يضحي الأخ الأكبر (أحمد) بدراسته من اجل اعالة اسرته و استكمال شقيقه الأصغر (رشدي) لدراسته.
و نتعرف اكثر بشخصية أحمد، الرجل المكافح و الاخ الحنون و الإبن المطيع، من خلال انغماسه بالصداقات الجديدة التى كونها فى الحي الجديد مع (المعلم نونو) و غيره من رجال الحي ثم نتعرف بالاخ الاصغر (رشدي) و هو النسخة المغايرة لأخيه بكل المقاييس.
و بالرغم من ذلك فإن انجاز أحمد الوحيد ربما يكون تضحيته من أجل رشدي. ثم تتطور الاحداث لنتابع مصير أسرة عاكف خطوة بخطوة حتى اللحظة الاخيرة.
أخذنا الفيلم إلى عالم آخر وفتح لنا ابواب جديدة فإستطعنا أن نرى الشخصيات فى ضوء لم نرهم فيه داخل الرواية. ايضاً، أضاف الفيلم أجواء جديدة للقصة وفى رأيي، خفف بشكل كبير من طابع القصة المأساوي فى العموم وقسوة اخر اربع دقائق من الفيلم فى الخصوص. فينقلنا الفيلم من جو حميمي عائلى مبهج إلى صدمة تعيدنا مجدداً الى الواقع المرير للأحداث.
و جميعنا نعرف، بالتأكيد، اهتمام نجيب محفوظ بالكتابة عن هموم و مشاكل المجتمع المصرى و غالباً ما يصنع ذلك جو درامى مؤثر. و يجب على المشاهد بالأخص فى ذلك الوقت أن ينتبه لكل تفصيلة فى مشهد النهاية لاهتمام المخرج بالتفاصيل. اختصر الفيلم ايضاً بعض الاحداث، دون ان يخيب آمال مُحبى العمل الأصلي و عشاق الأديب العالمى.
الرواية صدرت عام ١٩٤٥، بينما تم تحويلها إلي فيلم عام ١٩٦٧، سيناريو وحوار نجيب محفوظ أيضا.
نعود ب “أنا حرة” مرة اخرى إلى إحسان عبد القدوس و لكن بقصة من قصصه البكر والتى لا تقل عمقاً و احترافية عن اياً من قصصه الاخرى. تختلف البطلات و الحبكات و لكن تظل المرأة محور كتابات عبد القدوس واهتمامه. أنا حرة فيلم ينتمى إلى كل عصر و يحكى قصة تُحكى كل يوم و فى كل مكان فى مجتمعنا باختلاف راويها وهو من افضل الروايات التي تحولت الى افلام عربيه.
ليس غريباً على افلام عبد القدوس أن تكون بطلاتها دائماً من الجميلات.. من فاتن حمامة، إلى سمراء السينما المصرية لبنى عبد العزيز بطلة “أنا حرة”. و يقوم بالبطولة أمامها الدنجوان شكرى سرحان و حسين رياض و زوزو نبيل و حسن يوسف و محمد عبدالقدوس وغيرهم.
تدور أحداث الفيلم حول ”أمينة” (لبنى عبد العزيز) فتاة انفصل والديها و هى فى سن صغيرة لينتهي بها الحال فى بيت عمتها (زورو نبيل) و زوج عمتها (حسين رياض) و أولادهم تعيش كالغريبة و اليتيمة رغم أن والديها على قيد الحياة. يبدأ تمرد أمينة فى سن مُبكر على كل تقاليد البيت الذي تعيش فيه، فتكبر لتتمرد على حيها ثم مجتمعها و يصبح كل ما يشغل بالها هو اتمامها لدراستها و الحصول على حريتها. و نتابع الأحداث و كيف تتغير أمينة و تتغير مفاهيمها عن الحياة و الحرية.
“أنا حرة… أنا حرة..” نسمع امينة تكرر هذه الجملة من حين لآخر.. و احياناً اخرى تطاردها فى خيالاتها.. هى الفكرة الأساسية التى تقدسها أمينة فوق كل شيء و أي شىء ولكن هل تصل أمينة إلى المعنى الحقيقي للحرية التى ما لبثت تقدسه و تضحى من أجله بكل ما تملك؟
هناك العديد من الاختلافات ما بين الرواية و الفيلم و لكن فى هذه الحالة اضاف الفيلم للعمل الأصلي هذا ان لم يتفوق عليه بشكل او بأخر فى بعض النقاط اهمها نهاية الفيلم و مضمونها و قوتها.و ليس من الغريب ان يكون العمل المقتبس هنا المتفوق، فقد كتب سيناريو هذا العمل العبقري نجيب محفوظ.
الرواية صدرت عام ١٩٥٤والفيلم من إنتاج عام ١٩٥٩
هناك، بالطبع أيضا للكاتب نجيب محفوظ روايات تحولت لأفلام، والعديد من الأفلام التى يمكن إضافتها إلى هذه القائمة و إن ذكرناها لطالت و لم تتسع لكل الأعمال الرائعة فى تاريخ السينما المصرية و العربية.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة