فيلم نحن لا نزرع الشوك هل هو مختلف عن قصة الرواية أم لا؟ سؤال يتداول لدي أذهان الكثير منا، فعندما تتحول رواية متفردة، لفيلم سينمائي خالد نلاحظ بعض التغييرات عن نمط القصة.
هكذا حدث هنا لتتحول رواية “نحن لا نزرع الشوك” الصادرة في العام 1969 إلى واحد من أنجح أفلام السينما المصرية في العام 1970، فيلم نحن لا نزرع الشوك.
اختلافات كثيرة عادة تطرأ على العمل الدرامي المأخوذة عن رواية، قد تصل لحد تغيير العنوان أو تغيير الأحداث والشخصيات الجوهرية، فجمهور الرواية مختلف عن جمهور السينما والتليفزيون.
الرواية مدينة صنعها المؤلف وهو حاكمها الوحيد، أما العمل الدرامي فالمخرج هو محرك الأبطال، وذلك بعد أن يضع السيناريست بصمته وتصوره، ليقدم النجوم العمل على طريقتهم.
الرواية واحدة من أفضل أعمال يوسف السباعي المولود في 1917 بالدرب الأحمر، وقد عاش فترة من حياته بالسيدة زينب وكتب عنها.
وهذا هو الحي الذي عاش فيه حمدي بطل الرواية، والده مترجم وكاتب ومنه ورث شغفه، توفي فجأة ويوسف بالثانوية، وقد انتقل وقتها بين العديد من المدارس الثانوية، وتتشابه هذه الملابسات مع والد حمدي، الذي تحولت حياته بسبب موت والده المترجم.
تنويه هذا المقال يحتوي على حرق لبعض أحداث رواية و فيلم نحن لا نزرع الشوك.
بالحديث عن رواية و فيلم نحن لا نزرع الشوك تحكي الرواية عن سيدة، الطفلة يتيمة الأم التي تعمل كخادمة ببيت والدها رغم صغر سنها، على يد زوجة أبيها اللعوب، يموت الوالد الحنون العاجز أمام زوجته، ليأخذها صاحب المطبعة التي عمل بها والدها، لتعاملها زوجته أم عباس كخادمة.
ليس هذا فحسب، بل تحملت أيضا مضايقات ابنهم عباس، التي تحولت لتحرش فج بمجرد ظهور جسدها البض، نعم فقد اعتبر الكاتب جسدها الممتلئ لاعب رئيسي بالأحداث، واختيار شادية لتجسيد الشخصية ساعد في توصيل تلك الفكرة في فيلم نحن لا نزرع الشوك أيضا.
تترك عالمهم لتدخل عالم حمدي، هذه المرة بصفة رسمية كخادمة إلا أنها شعرت أنها واحدة من أفراد العائلة. حتى توفى رب الأسرة، فتغير كل شيء، تدخل عالم علام كزوجة وتصبح خادمة مرة أخرى، لتسلم جسدها لعالم وصمته لا تمحى.
تستمر في رحلتها العوالم تتغير والشقاء بأشكال مختلفة رفيقها، حتى يستقر جسدها بالفراش لتموت في هدوء.
حافظ المخرج الكبير حسين كمال مخرج فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك على الملامح الرئيسة للرواية، وقيل أن صلاح أبو سيف هو من اختير ليخرج العمل، وهذا اختيار طبيعي الرواية شديدة الواقعية.
وهو مخرج الواقعية، واشيع أن سبب استبعاده شادية التي كونت فريق عمل ناجح مع المخرج حسين كمال، وأثناء تصوير فيلم شيء من الخوف تم الإتفاق على هذا الفيلم.
كتب السيناريو أحمد صالح، والذي استغل أسلوب يوسف السباعي البسيط فقام السباعي بنفسه بكتابة الحوار، لتأتي لغة الفيلم في أحيانا كثيرة فقط تحويل للعبارات الواردة بالرواية باللغة العربية الفصحى إلى عامية.
لا يفوتك أيضاً التعرف علي فيلم ورواية رد قلبي
اعتمد يوسف السباعي على أسلوب (الفلاش باك)، تبدأ الرواية بسيدة على فراش الموت ببيت حمدي وتعامل كضيفة وليست خادمة، وابن حمدي يعاملها كوالدته.
يتداخل طيف الموت مع حياتها لترى قصتها منذ الطفولة. بدأ الفيلم بطفولتها، واعتقد أن السبب في ذلك، أن طفولتها تذكرك بقصة سندريلا، وقد يدفعك ذلك بطبيعة الحال إلى انتظار أميرها، وانتظار مستجدات تغير حالها للأفضل، وتعوضها عن طفولتها البائسة.
ظهور مشهد النهاية بالبداية سيصدم المشاهد، وسيغلق أي باب للتوقع وانتظار الفرج لها. مشهد بالرواية يمكننا تسميته (ماستر سين) تم حذفه من الفيلم، أثناء عمل سيدة بمنزل دلال كغانية تفاجأت بحمدي ورفاقه جاءو المنزل كزبائن، عندما وجدت نظرات حمدي سيدها السابق وحبيبها.
تسألها لماذا وصلتي لهذا الطريق، فتجيبه نظراتها وهل سألتك لماذا مات أبوك، لماذا تزوجت حبيبتك، ولماذا تغيرت حياتك، نحن لا نزرع الشوك، ولكن نحصده، فتوضح لنا ببساطة فلسفة عميقة خلفها يقبع العنوان ومقدمة الرواية.
تم حذف تردد حمدي على منزل دلال، وبالتالي حذف المشهد، لرسم صورة ملائكية لحمدي مغاييرة تماما لصورة عباس وعلام.
يبدو أن صناع الفيلم لجأوا إلى الاختصار في الأحداث، وحذف ما لا يفيد، فزيادة في المعاناة بالرواية خرجت سيدة من بيت الطاعة بابنها بعد وصولها لاتفاق مع عباس، وجهزت لحياتها الجديدة، والتحقت بالعمل بعيادة طبيب كممرضة.
استمر عباس في طلب النقود، مستغلا ابنهم جابر في الضغط، فرفع دعوى وأصبح يراه بالقسم كل أسبوع، وعند بلوغه السابعة، رفع دعوى أخرى ليصبح بولايته، وفعلا أخذه من أمه.
عاشت ألم وبكاء وحسرة، حتى قررت أن تبيع أي شيء، وتفعل أي شيء وتعطي عباس نقود، وتسترد ابنها، فتفاجأت بجابر ابنها، تراه من نافذتها هرب من ابوه، وقبل أن يعبر لها الطريق دهسته سيارة، لتشعر سيدة أن هذا عقاب الله، لأنها عملت كغانية، فقررت التوبة إلى الله.
بعد خروج سيدة باكية ومطلقة ومطرودة من منزل علام، لم تستدرجها لولاحظ، وتخدعها حتى تجد نفسها بغرفة واحدة مع رجل لا تعرفه، بالرواية سيدة ركبت أول سيارة توقفت لها.
طوال الطريق ظل الرجل يتحسس جسدها، وهي أبدا لا تمنعه، وعندما ذهبت منزله وانتهى الأمر، وفي الصباح تحدثت مع لاوحظ التي قابلتها عنده، تعجبت عندما قالت لها سيدة أن تلك المرة الأولى، كيف صار الأمر بهذه البساطة!
في فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك تم التخفيف من حدة الموقف، حتى لا يصدم الجمهور، أو يفقد تعاطفه مع سيدة وتم الإكتفاء، بتقبل سيدة لما حدث.
هناك بعض الأمور تحدثت عنها الرواية على اعتبار أنها طبائع الأمور، وحذفها الفيلم حفاظا على تعاطف الجمهور، فسيدة بالرواية اعتادت مهاجمة عباس لها منذ صغرها ليلا، وتحسسه لجسدها.
بدا الأمر طبيعي ومتكرر فلم تستهلك طاقتها في مقاوته، اعتادت أن ترى طمع من حولها في جسدها، ففهمت أنه شيء هام بالنسبة لهم، وفهمت أن تلك هي الطريقة الوحيدة التي ستنال بها احتياجاتها، فلم تكره عباس.
عندما يعطيها نقود تتمناها وتفرح بها، لا تمانع في أن يحصل على ما يريد، حتى عندما قابلته بمنزل الغواني، لم ترفضه كما حدث بالفيلم، ذهبت معه فقط وهي غير راضية، عندما تحدثت عن حمدي تعجبت من زهده في جسدها وكأن ذلك شيء يغضبها.
قالت في نفسها أن حتى والده ينظر لها تلك النظرات التي تخترق الملابس، لو قيلت تلك العبارة بالفيلم لظننا أن الرجل فاحش، عادة الرواية تكون أكثر جرأة من فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك، والفيلم بعد كل هذه التعديلات، ورغم تصنيفه كفيلم عائلي، عندما حول لمسلسل تليفزيوني تم استبعاد الفترة التي عملت بها كغانية تماما.
سيدة و نرجس و شادية، هي نجمة الدلال، تملك من بهاء الطلة وخفة الظل وصدق المشاعر وملاحة الوجه، ما يجعلها تضيف جمالا للعمل، يجعل صورتها لا تفارقك طوال قرائتك للرواية، بالإضافة إلى حنجرتها الذهبية التي أهدت فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك أغاني زادت من قوته.
حمدي محمود ياسين، العمل هو بداية النجم الحقيقية، قابلته شادية يسجل مشهده بفيلم شيء من الخوف، أدهشها صوته القوي المميز، وملامحه السمراء الفرعونية المليحة، وما أن نظرت للمخرج حتى فهمها.
أخبرها أنه يفكر في نفس الأمر، للأسف يوسف شاهين سبق وطلب من الوجه الجديد أن يقف أمام سعاد حسني بالاختيار لنجيب محفوظ، حاول التوفيق بين العملين، رفض شاهين، وبعد اعتذاره لحسين كمال، أخبره شاهين أنه سحب منه الفرصة، لتلعب شادية دور الوساطة ليعود إلى الفيلم وتولد نجوميته.
عباس صلاح قابيل، رشح لهذا الدور بالبداية حسن يوسف واعتذر عنه، ثم يوسف شعبان واعتذر، وأخيرا تم الاستقرار على صلاح قابيل في فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك .
لا يمكن ذكر فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك بدون ذكر الموسيقى التصويريه لفؤاد الظواهري، وصوت شادية بأغنيتي (والله يازمن- ولا لينا أهالي يابا) كلمات عبد الوهاب محمد وألحان بليغ حمدي.
ليخرج لنا الفيلم لوحة فنية متكاملة الأركان نراها ونسمعها وتلمس قلوبنا، والرواية هي نواة تلك اللوحة.
بعد أن تعرفت علي الفرق بين فيلم فيلم نحن لا نزرع الشوك والرواية تعرف أيضاً علي الفروق بين فيلم مولانا مقارنة بينه وبين رواية مولانا تعرفوا علي أهم الفروق بينهم
آخر المراجعات