طائر المنفى الحزين و عصفور الشرق المغرد بصداه فى بلاد الغرب ، الوريث الشرعي للعرش الأدبى الخالد الذى أسسه نجيب محفوظ ، سفير الأدب العربى و ممثله فى أوروبا، ترجمان الأدب و أحد ملوك الرواية العظام و شاعر القصة القصيرة ، ابن الاقصر ، و وليد الجيزة ومواطن جينيف ، من جيل الستينات ولكنه نافس بأدبه جميع الأجيال الأدبية و غلبهم و حصد الجوائز فى شبابه و فى كهوله. و فى هذا المقال و حديث حول افضل روايات بهاء طاهر.
لم تمنعه الظروف ، حاربوه و حاولوا التضييق عليه و نسوا أن له جناحان و يستطيع الطيران و التحليق فى أى مكان يشاء ، و معه قلمه، صديقه و مؤنسه الذى لم يتخل عنه فى جميع الأحوال ، احتفت به سويسرا فى فيلم روائي يتناول قصة حياته و إبداعه و ربطه بين الثقافتين العربية والغربية فى أعماله ، بلغت مدة الفيلم خمس وأربعون دقيقة ، حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الأدب عام ١٩٩٨ ، كما حصل على جائزة الرواية العربية عام ٢٠٠٨.
وصفه العملاق يوسف إدريس بأنه ” كاتب لا يستعير أصابع غيره “
هو صاحب العبارات الخالدة و المواقف المشرفة ، أعاد جائزة تحمل اسم رجل سفك الدماء -لا يستحق أن أذكر اسمه – لأنها لا تشرفه ، وهو من قال يوم تسلمه جائزة الرواية العربية فى حضور أدباء الشرق والغرب :
“لست ممن يعتقدون أن الجوائز تعطى قيمة كبيرة لفائز ، إلا إذا كانت أعماله تعطيه هذه القيمة ”
واحدة من ملاحم الصعيد و بالتحديد فى الأقصر ، ما بين الدير و البلدة الصغيرة ، و صفية و حربى، طرف غارق في الحب و طرف غافل لا يعبأ بذلك الحب الكبير فى القلب الصغير ، تدور الأيام و يتحول الحب إلى رغبة فى الإنتقام و الثأر ، و يتحول ذلك القلب الصغير الذى طالما امتلأ شوقا و عشقا إلى بركان من النيران المستعرة و تتحول تلك الشابة الصغيرة إلى عجوز حاقدة رغم أنها لم تتجاوز الثلاثين و لكن العمر ليس بالأيام والسنين ولكن بمكابدات الدهر و ما ألقاه علينا القدر من هموم ، ضاقت بحملها الصدور ففاضت على سائر البدن…
حققت تلك الرواية نجاحا كبيرا و تم ترجمتها إلى أكثر من لغة ، وتم تحويلها إلى مسرحية و إلى مسلسل تلفزيوني بنفس الاسم من بطولة ممدوح عبد العليم و بوسى و ثناء جميل و حمدى غيث وعمر الحريرى ، ومن إخراج / إسماعيل عبد الحافظ و حقق المسلسل نجاحا كبيرا لا يقل عما حققته الرواية .
على لسان مصر تتحدث ضحى لتروي حكايتها مع ثورة ١٩٥٢م ، و عن أثرها فى المجتمع ، قد تظن أن تلك الرواية مجرد سرد سياسى ولكن هذا ما تجنبته ضحى بالتحديد ، الرواية تدور على ألسنة شخصياتها عاكسة آثار الثورة وأهدافها من خلال ملامح الشخصيات وأحلامهم و أهدافهم المنشودة ، فبطل الرواية سيد القناوى يحلم أن يتحصل على شهادة جامعية ليحقق طموحه الاجتماعى و الثقافى المنشود ولكن ظروفه تحول دون ذلك ، فى حين ينعم سلطان باشا بكل الحقوق و طلباته أوامر قبل أن تكون مجرد أحلام ، يحصل بأقل مجهود على كل ما يريد ، تم تقديم تلك الرواية كعمل إذاعى فى الإذاعة المصرية من بطولة سوسن بدر و أحمد حلاوة وحلمى فودة وإسماعيل محمود .
و هنا يطل علينا بهاء طاهر بلغته البسيطة و أسلوبه المميز لكى يحكى لنا عن نكسة يونيو ١٩٦٧، بطريقة رمزية رائعة حيث شبه أرض سيناء بالأرض التى تدور حولها الرواية قائلا :
“أولاد الحاج صادق يريدون أن يكسرونا كما أرادوا دائما أن يكسرونا، وعمك يعطيهم الفرصة. جربوا ذلك مع جدك من قبل، جربوا أكثر من طريقة، أجروا من يحرق زرعه، لكن من دفعوا له خاف من جدك”.
هنا تظهر براعة بهاء طاهر و تمكنه من تطويع الأحداث بأسلوبه السهل الممتنع حين يجعل من رواية خيالية أرضا خصبة لسرد أحداث تاريخية حقيقية و جرائم إنسانية يدنى لها الجبين حدثت فى أنحاء متفرقة من العالم ، وكعادته يهتم بالقضايا الكبرى فقد كان للقضية الفلسطينية عرضا واضحا فى تلك الرواية ، و كعادته يتلاعب بهاء طاهر بمشاعرك من خلال ما يعرضه من مواقف الناس و ردود أفعالهم المتنوعة ، حتى أنك لا تعرف إذا كنت تقرأ عملا أدبيا أم تعيش حادثا حقيقيا مر بك من قبل .
مثلما تغزل كافكا فى ميلينا ، و عنتر فى عبلة و قيس فى ليلى ، تغزل بهاء طاهر فى معشوقته الحسناء “الرواية ” ، أجمل ما قيل عن فن الرواية و مفاتن جسدها ، تلك اللعوب التى سحرت عقول الأدباء و القراء ،تشريح مفصل لكل أنواعها و ألوانها و فنونها ، إذا كنت من عشاقها أيضا فعليك أن تقرأ ذلك الكتاب ولكن انتبه فمهما بلغ عشقك لها فلن تستطيع أن تغازلها كما غازلها بهاء طاهر .
هذه المجموعة القصصية الرائعة هى أقرب لأنشودة شعرية عزفها بهاء طاهر على ألحانه العذبة ، متغزلا فى كل ما يحيط به ،حتى أنك لن تفرق إذا ما كنت تقرأ مجموعة قصص أم مجموعة قصائد ، ناهيك عن الرمزيات المعبرة و الإسقاطات التى جاءت فى محلها لتضفي نوعا من التفكير و الفلسفة الإنسانية على كل قصة داخل المجموعة ، إذا كنت مرهف الحس ومن محبى الرومانسية فعليك أن تضع تلك المجموعة القصصية على قائمة اختياراتك بالتأكيد .
يعتبر هذا الكتاب من أهم المراجع الثقافية فى العصر الحديث حيث يتحدث عن ثقافة مصر و عن التطورات و التغيرات التى طرأت على الواقع الثقافى لمصر تأثرا بالواقع السياسى و الإجتماعى ، كما يطرح مجموعة من الأسئلة الهامة مثل : لماذا يكرهنا الغرب ؟ و كيف وصل الإخوان للحكم ؟ و كيف كانت ستصبح أوروبا لولم تنقل ثقافة و علوم الشرق ؟ ، مجموعة ثرية من المقالات الفكرية الهامة بمثابة مرآة تعكس التغير الثقافى فى مصر ، وفى نهاية قراءتك للكتاب سوف تسأل نفسك :لماذا لا يتم وضع هذا الكتاب في مناهجنا التعليمية ؟
لا يوجد أمتع من أن تصبغ الحاضر بالماضى ، وإذا أردت أن تفهم الحاضر جيدا و قبل فوات الأوان عليك بالرجوع للماضي ، ستجد الحاضر واضحا مفسرا لا تشوبه أى تعقيدات ، فى مجموعته القصصية تلك يعود بنا بهاء طاهر إلى الماضى وإلى أساطيره و التواريخ المصرية القديمة ، لكشف أسرار الحاضر و فهم معانيه ، مجموعة قصصية بطابع فرعونى لعشاق التاريخ القديم .
ما بين القاهرة و جينيف غزل بهاء طاهر تلك المجموعة القصصية ، فأصبحت كنسيج يربط بين الثقافتين الشرقية و الغربية ، فكما جمع عقله بين الفكرين جمعت تلك المجموعة بينهما فأصبحت بمثابة كوكب مميز فى مجموعة أعمال طاهر ولكن ينيره قمران استمد نورهما من قلبه وعقله اللذان اتسعا لكلا الثقافتين .
وأخيرا فى مسك الختام ، أحببت أن أحدثكم عن جوهرة بهاء طاهر الثمينة التى يزين بها تاجه الأدبى ، الرواية الحاصلة على جائزة البوكر للرواية العربية عام ٢٠٠٨ م ، و الصادرة عن دار الشروق ، هنا يأخذنا بهاء طاهر إلى القرن التاسع عشر و إلى أرض الواحات و بالتحديد فى واحة سيوة ، التى نادرا ما انتقل إليها أديب ولكن بهاء طاهر ليس كغيره ، يعود بنا إلى الماضى و إلى أسرار الإسكندر الأكبر ، ليمارس عادته المفضلة فى ربط الماضى بالحاضر و الشرق بالغرب فى تجربة فريدة من نوعها ، حققت تلك الرواية نجاحا كبيرا كعادة معظم أعماله و قد ترجمت تلك الرواية لعدة لغات كما تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة خالد النبوى و منة شلبى .
فى النهاية وجب أن أنوه أن هذا المقال على سبيل الذكر لا الحصر ، فبهاء طاهر وأعماله يستحقون كتبا للحديث عنهم وليس مجرد مقال.
لا يوجد محتوى مشابة
لا يوجد محتوى مشابة