الحملة الفرنسية على مصر التي قادها الجنرال نابليون بونابرت بدأت عندما رأي أن الولايات العثمانية وهي دولتي مصر والشام هي المكان الأنسب لتحقيق أحلامه ومطامعه، وقد ذكرت هذه الحكاية في عديد من روايات عالمية عرضت القضية وقوة الحملة الفرنسية وقتها علي مصر.
ففكر في شن هجوم فرنسي على هذه الولايات لعدة أسباب أبرزها عرقلة وتعطيل الجيش الانجليزي من الوصول إلى الهند وبالتالي الدفاع عن الدولة الفرنسية بمصالحها وممتلكاتها.
ويذكر أن هذه الحملة لم تقم بدوافع سياسية فقط، فكان لنابليون العديد من الدوافع والأهداف الأخرى مثل السيطرة على البحر المتوسط بشكل عام وجزيرة مالطا بشكل خاص.
كما كان عدد الحروب التي خاضتها مصر أثر كبير علي تاريخها، حيث كان لهذه الحملة في اكتشاف حجر رشيد الذي استند إليه علم المصريات الموجود حتى عصرنا الحالي، وذلك من خلال فك الرموز المحفورة عليه وترجمتها إلى اللغات الأخرى.
بدأت الحكاية من أواخر القرن الثامن عشر، تلك الفترة التي عاشت فيها البلاد تحت طائلة أقليتين وهما الأتراك والمماليك، وكان النزاع مستمرًا بين القوتين للفوز بالاستقلال وحكم البلاد، فكان الوالي أو السلطان العثماني هو الحاكم الصوري للبلاد، أما النفوذ الفعلي فكان في يد المماليك وكانوا هم المتحكمين في ثروات البلاد وخيراتها.
وقد نتجت عن هذه الحقبة العديد من المساوئ التي عانها منها المصريين أشد المعاناة أبرزها تطبيق نظام السخرة والإجبار على دفع الضرائب الباهظة و إرغام الفلاحين على العمل المستمر في الأراضي وربطهم بها.
أما بالنسبة للمدن فكان الوضع أشد سوءًا فقد ساد الفساد والكساد جميع أنحائها وكان الركود الإقتصادي والتجاري هو الطابع الغالب على أغلب المدن، وذلك بسبب النهب والسرقة والاستيلاء على أموال التجار ومصادرة ممتلكاتهم.
ومن جانب آخر كان الصراع السياسي بين فرنسا وإنجلترا قد بلغ ذروته، ولسوء الحظ كان الخصمين مطمعها الأكبر هو الاستيلاء على مصر والشام والسيطرة على طريق رأس الرجاء الصالح، والذي كانت تمر من خلاله أكبر الرحلات التجارية بين أوروبا والشرق.
كانت مصر على وجه الخصوص هي حلقة الوصل بين القارتين ومركز القوة الذي يمكن من خلاله السيطرة على كافة المناطق المجاورة.
وفي عام 1798 قام الجنرال نابليون بونابرت بتكوين أسطول بحري مكون من 35 ألف جنديًا فرنسيًا وبحراستهم ما يقرب من 55 سفينة حربية عسكرية متوجهًا نحو الأسكندرية وخاصة في منطقة أبو قير، وتوجه الأسطول البحري الكبير بقيادة أوريليان نحو الشرق.
وأثناء الاتجاه نحو الإسكندرية قام الأسطول البحري بالاستيلاء على جزيرة مالطا وأخذها من أيدي القديس يوحنا وهم آخر الفلول الصليبية، وبعدها استكمل التوغل حتى الوصول للقاهرة ومن ثم الاستيلاء عليها.
العديد من الأسباب ذكرت في روايات حربية جعلت من الحملة الفرنسية أهمية كبيرة لفرنسا، ومن تلك الأسباب ما يلي
وبالتالي أرادت فرنسا أن تقوم بالانتقام من إنجلترا عن طريق إلحاق الضرر بها فبدأت بوضع يدها على الطريق التجاري القصير الذي يربط بين دول أوروبا وبالتحديد إنجلترا وبين مستعمراتها في الهند، وبالتالي كانت مصر والشام هي أساس السيطرة على هذا الطريق. وساعد في ذلك ضعف الامبراطورية العثمانية في ذلك الوقت.
للحملة الفرنسية وجهان متناقضان تمامًا، فكما كان لها العديد من المساوئ والأخطاء باعتبارها احتلال كأي احتلال مر على تاريخ الدولة المصرية، إلا أنها كانت لها العديد من المنافع والفوائد والتي سوف نتعرف عليها من خلال الفقرات التالية.
بالرغم من كونه احتلالًا صريحًا واعتداء على ملكية المصريين في أرضهم وممتلكاتهم، إلا أنه كان له العديد من الإيجابيات التي انعكست على المصريين طوال تلك الحقبة، ومن أبرز هذه الإيجابيات ما يلي
وذلك من أجل نشر أنواع العلوم المختلفة وصور المعرفة والتشجيع على دراسة العلوم في المجالات المختلفة مثل علوم الطبيعة وعلوم الصناعة وحتى علم التواريخ، وقد أصبحت مصر في هذه الفترة تبعًا لذلك واحدة من أبرز الدول المتحضرة والمثقفة علميًا وبحثيًا وذلك وفقًا لما جاء في النموذج الفرنسي الحديث.
كان هذا النظام لا يزال قائمًا في العديد من المشروعات مثل حفر القنوات والترع وإنشاء الجسور وزراعة الأراضي وغيرها من الأعمال التي تتطلب الاستمرار في العمل بشكل إجباري دون الحصول على مقابل، وخاصة لدى البكوات وأعيان الدولة.
حيث قامت الحملة الفرنسية بالقضاء على هذا النظام تمامًا وإعطاء الأجور المستحقة لكافة العاملين بل ومنحهم أوقات كافية للراحة بالإضافة إلى حقهم في الحصول على مستحقات مالية في حالة التعرض لأي حادث أثناء العمل، وذلك من أجل تشجيعهم على العمل ومنعهم من الاضطرار إلى الهرب.
من أبرز إيجابيات الحملة الفرنسية على مصر في مجال الزراعة هي تطوير العديد من المناطق الخضراء وإنشاء مجموعة من الحدائق الجديدة لتكون بمثابة معمل تجريبي للمحاصيل الزراعية الجديدة التي قامت الحملة بإحضارها من فرنسا، وقد نجحت بالفعل في زراعة هذه المحاصيل بالفعل لكي تحدث بذلك طفرة نوعية في مجال الزراعة في ذلك الوقت.
كان هناك العديد من المحاولات السابقة في وضع رسم تخيلي أو مخطط كروكي لخريطة مصر ولكن كلها كانت أبعد ما يكون عن الواقع، حتى جاءت الحملة الفرنسية كي تضع أول مخطط صحيح لخريطة مصر وبعدها تم الاستعانة بهذا المخطط في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الاستراتيجية.
فقد علمنا سابقًا أن الحملة الفرنسية كانت هي صاحبة الفضل في فك رموز حجر رشيد المعروف، وقد ساهم ذلك في التعرف على العديد من المعلومات المتعلقة بالتاريخ المصري القديم، ومن ثم تم إنشاء علم كامل أطلق عليه علم المصريات.
اهتمت الحملة الفرنسية بشكل كبير بالصحة العامة للمصريين، وذلك من خلال إنشاء وتطوير العديد من المستشفيات ونشر الوعي والثقافة الصحة بين المصريين، فكانوا دائمًا ما يحثون المصريين على أهمية أشعة الشمس والتعرض لها بشكل مستمر ودورها في القضاء على الميكروبات والعدوى.
لذا ينبغي عليهم نشر ملابسهم فوق أسطح المنازل وليس بالداخل.
كانت فترة الحملة الفرنسية على مصر أشبه ما يكون بالانفتاح السياسي، حيث تعرف من خلالها المصريين على العديد من المفاهيم ومبادئ الحياة السياسية الكريمة.
مثل حق الاقتراع والمشاركة في وضع القوانين وطلب المساواة واللجوء إلى المحاكم القضائية، وغيرها من الأفكار السياسية الليبرالية، حتى الحروب النفسية والدعايات كانوا هم أصحاب الفضل في إدخالها إلى مصر.
تم إنشاء أول مسرح تمثيلي في مصر خلال فترة الحملة الفرنسية على مصر، وتم عرض وتقديم مجموعة كبيرة من الأعمال الروائية التراجيدية والكوميدية، كما تم إنشاء العديد من الأماكن الترفيهية الأخرى مثل الحدائق والمتنزهات وحتى الملاهي، بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي المبنية على الطراز المعماري الفرنسي، وذلك من أجل ترك بصمتهم.
الاستعمار هو الاستعمار فمن الطبيعي أن ينتج من أي احتلال العديد من المساوئ والسلبيات التي تؤثر على موارد البلد والمواطنين حتى ولو تعددت منافعه، ولأن الحملة الفرنسية على مصر كانت من الأساس تمهيدًا للسيطرة على مصر والشام حدث لذلك العديد من التوابع التي لم يحمد عقباها، منها على سبيل المثال
وفي ختام موضوعنا الذي تناولنا من خلاله الحديث عن الحملة الفرنسية على مصر حكايتها وأسبابها وأهم النتائج التي ترتبت عليها سواء كانت إيجابية أو سلبية، نرجو أن نكون افدناكم وأمتعناكم.