نحن القراء نجتمع على حب القراءة، وحب الكتب، وحب ذلك العالم الساحر الذي ترتفع معه مستويات عقولنا وتخفت مستويات أصواتنا. فالقراءة هي فعل يتأرجح ما بين الهواية، والضرورة، والمتعة، والتعلم.
وعلى الرغم من أن قراءتك لهذا المقال، هو إقرار منك بحبك لعالم الكتب والقراءة، إلا أنه يعني بالضرورة أننا رغم تشابهنا مختلفين. نحب القراءة نعم، لكننا نحبها بأنماط متعددة ومزاجيات مختلفة، ونعبر عن حبنا هذا بأشكال وأنواع متعددة. وهذا الاختلاف ما هو إلا إثراء لمجتمع القراء والفئة المثقفة.
فمن أنواع منظمة إلى أخرى عشوائية، ومن متعددة في القراءات إلى الفردية، ومن المنفتحة إلى المنغلقة، ستتعدد وتتنوع قائمتنا لليوم، وإليكم هذه القائمة:
هذا النوع شهيته مفتوحة دائمًا للقراءة. يقرأ ليقرأ، لا لشيء ولا لسبب آخر. يقرأ لأن فعل القراءة لديه كاستنشاق الهواء، لا بد منه. ولأن شهية القراءة مفتوحة لديه دائمًا، فهو شره وقد يصاب بالتخمة أحيانًا، فيأخذ قسط من الراحة لا يتعدى اليوم، ليعود مجددًا لإكمال قراءة ما بدأه، أو يبدأ في قراءة عمل جديد.
هذا النوع عادة ما يفضل التعدد في القراءة، فيقرأ أكثر من عمل في نفس الوقت، ولا يفضل التقيد بكتاب واحد حتى ينهيه ويبدأ في آخر، بل يفضل الوجبات الفكرية الدسمة، والتنقل من كتاب إلى آخر دون تشتت. فروتين حياته قد يبدأ في الصباح برواية، في المساء بعد العمل كتاب سيرة، وقبل النوم كتاب نفسي، وهكذا دواليك.
هو كالإسفنج؛ يتشرب كل ما تقع عليه عينه. وكالصديق الوفي؛ لا يتقفز في القراءة، وملتزم غالبًا بقراءة الكتاب من المقدمة حتى الختام. وكدودة الكتب؛ لا يستطيع العيش من غير التهام الكتب وفي جلسات قليلة، قد تصل أحيانًا لإنهاء كتاب في جلسة واحدة.
لذلك هذا النوع لا يتأزم من الوعكات الصحية كالإنفلونزا، أو فترات الحجر الصحي، والتي تستلزم أخذ إجازة أو البقاء في المنزل أو الالتزام بعدم مغادرة الغرفة، حيث تتاح له فرصة ذهبية لا تتكرر لقراءة أكبر قدر من الكتب، ويمكنك تقديم هدية مبتكرة لعشاق الكتب مثل هذا النوع ككتاب محبب له لم يسبق له قراءته .
وعند زيارته في منزله، ستجد منضدة غرفة المعيشة أو كومدينو غرفة النوم، متاخم بالكتب المتراصة التي غادرت رفوفها، وكلها جاري قراءتها، فيرجى تكرمًا أن تجعل زيارتك خفيفة، وسريعة.
سيضع رجل على رجل، ويحتسي قهوته السادة في إحدى المقاهي العتيقة، ليسألك من فوق نظارته بثقة: قرأت كلاسيكيات الأدب، قرأت لمحفوظ، لديستوفيسكي، لماركيز؟! هل قرأت لزويل، لأينشاتين، لماري كوري؟!
وحسب اجابتك ستنتقل لمرحلة ما بعد القراءة لعمالقة الأدب والعلوم، إلى مرحلة عدم الرضا عن الأدب المعاصر!
نعم، إنه القارئ الارستقراطي، الذي لا يقرأ إلا الأدب الكلاسيكي، أو الأعمال الملهمة ككتب السير والكتب العلمية، والأعمال الحائزة على جوائز عالمية. فهو الشخصية الطموحة، التي لا تتقبل سوى الأعمال الرفيعة المستوى.
إنه من النوع التابع، الذي يقرأ بسبب دافعًا ما. يقرأ لأنه أحب الغلاف، أو شده العنوان. يقرأ لأن صديق عزيز على قلبه ويثق في اختياراته قد رشح له الكتاب. ويقرأ أحيانًا أخرى لأنه أحب اقتباس ما، فبحث عنه ووجده في جوف كتاب، فقرر قراءته.
يقرأ لأن رواية ما حصلت على أعلى تقييم من مجتمع القراء، أو لأن العمل تحول إلى فيلم. وقد يقرأ أحيانًا لأنه عضو في نادي قراءة، فكان الكتاب الذي قرر قراءته من ضمن ترشيحات النادي لهذا الأسبوع.
هو لا يملك توقع خاص، أو توجه متفرد، ويحب الجموع ويفضل عادة ما يفضله الأغلبية، ولا يحب هدر الوقت في خوض تجارب خاصة قد تبوء بالفشل، فتجارب القراء الآخرين وترشيحاتهم توفر عليه الوقت والجهد.
ومع ذلك عليك يا عزيزي قارئ السرب، أن تحاول تجربة التحليق خارج السرب مرة. واقع الأمر أني لا أضمن لك النتيجة، فقد تجد عوالم من القراءة المتنوعة التي ستقع في حبها وقد لا تجد، لكنها في الحالتين تجربة تستحق المجازفة.
تقع عينه على كتاب، يبدأ شغف القراءة يتصاعد، يرتب زاوية ما في المنزل، يمسك الكتاب ويبدأ في القراءة. يقرأ ويقرأ ساعة ساعتين، وقد تمتد لساعات عديدة. يترك الكتاب من يده والشغف لازال في أوجه، على أمل العودة في الغد.
فجأة، يأتي الغد، وقد قل الشغف وبهت. فيترك الكتاب الذي قد بدأ فيه بالأمس، لينتقل لكتاب آخر يبدأ معه شغف القراءة في الصعود، ليقل غدًا فيبدأ بكتاب جديد، وهكذا.
يعد هذا النوع من القراء المستعجلين، والمتوترين، والقلقين، وقد يتردد في قراءة كتاب خوفًا من عدم الاستمتاع، أو عدم الاستفادة. يبحث كثيرًا حتى يجد كتابين، فتضيع ساعات تكفي لقراءة العملين معًا، وهو لازال في حيرة متساءل: بمن منهما سأبدأ القراءة يا ترى؟!
يحب هذا القارئ لدرجة الإخلاص، فيخلص لكاتبه المفضل، ويخلص لنوعه الأدبي المفضل. فإذا كان ولاؤه للكاتب، يقرأ جميع أعمال الكاتب. وإذا كان ولاؤه للاتجاه الادبي فيقرأ جميع الأعمال التي في هذا السياق.
تجده محب لنجيب محفوظ مثلًا أو شكسبير، أو مهووس بالأدب البوليسي، أو الشعر، أو الكتب الروائية والأخرى الغير روائية، ولا يقرأ غيرها. وإذا ما أتم قراءة الأعمال كلها في هذا الحقل، يقرأ أعمال مشابهة وتدور في فلك الأفكار نفسها، فينطوي على اتجاهه وقد يتعصب له.
عصر التكنولوجيا والانترنت والعمل، وقارئ هذا النوع محب لهذه القفزة البشرية المبهرة حتى في عالم القراءة. فهذا النوع يفضل القراءة الرقمية، ويجد أننا يجب علينا مواكبة العالم السريع في وقعه. فنحن أمام قارئ محب لأجهزة كيندل والقارئ الإلكتروني والأجهزة اللوحية، والكتب الصوتية.
فبينما ينهمك في إنجاز مهمات عمله، يضع السماعات في أذنيه ويستمع لكتاب صوتي، ويختصر مكتبة، قد تأخذ حيز كبير من المنزل أو الغرفة، في جهاز صغير لا يشغل مساحة كومودينو السرير. وبصورة أو أخرى اجده في بعض الأوقات محق، فوجهة نظره منطقية وتستحق التجربة، أليس كذلك!
فعل القراءة لدى هذا النوع ليس مجرد النظر لأسطر، وتقليب صفحات، وقضاء وقت هادئ وممتع. بل يمتد هذا الفعل إلى أن يجعلهم مفكرين، وينقبون خلف بواطن المعاني، والخروج بأفكار جديدة ملهمة خارج الصندوق، وأخرى ناقدة.
يمتلك هذا النوع عين حساسة، وسرعة بديهة، تلتقط المعلومة فتحللها وتستنج منها أفكار أخرى عديدة وعميقة. كما ويعد كذلك من النوع الذي يقرأ ليقيم، فيعشق التقييم، وكتابة مراجعات، وأخذ ملاحظات أو اقتباسات، وتلخيص الكتب.
فتجده فرد فعال على موقع جودريدز، أو قد يمتلك قناة على اليوتيوب للحديث عن الكتب ومراجعتها فيصبح بوكتيوبر. أو من يدري، فقد يصبح في المستقبل كاتب مرموق!
يفضل هذا النوع البقاء في دائرة الأمان، ولا يفضل الخروج منها. فهو انطوائي وحذر في قراءاته. فيعيد قراءة ما قرأه من قبل، أو ينتظر الجزء الثاني من سلسلة أعمال أدبية أحبها.
ولا يحب قراءة أعمال أخرى ويفضل عليها تكرار ما قرأه. والجميل أنه وفي كل مرة يعيد قراءة عمل احبه لا يفقد شغف القراءة الأولى!
متعجل بطبعه وغير صبور، فيفسد الأحداث بقراءته نبذة مفصلة عنها على الانترنت قبل أن يقرأ العمل. أو يقوم بفتح الفصل الأخير لمعرفة ما ستؤول إليه الأحداث، ليطمئن قلبه ثم يعاود قراءة العمل من فصله الأول.
وكما هو يفسد الأحداث على نفسه، يفسدها على غيره. فعند حضوره يغلق الأصدقاء أذانهم حتى لا يستمعوا للمزيد من حرق الأحداث.
وقد يكون مستهتر نوعًا ما، فيقرأ فصلين من كتاب في مقهى عام، وينسى الكتاب هناك أثناء دفع فاتورة الحساب، ليعود مجددًا على أثر الكتاب فلا يجده. ينسى كتبه في المترو، في الطائرة، في رحلة قطار، أو بيت صديق.
وغير مكترث بالكتاب بعد الانتهاء منه، فهو معطاء يعير كل أصدقائه الكتب التي اتم قراءتها، وطبعًا مع القليل من حرق للأحداث!
يفضل لهذا النوع مرافقة النوع الرابع، حيث سيختصر عليه فصول وساعات من الحيرة والقلق.
إنه العاطفي الذي تحركه مشاعره. فتسيطر عليه أحداث رواية ما ويتمنى لو كان جزء منها، ويعيش حالة أشبه بالاكتئاب بعد الانتهاء من قراءة عمل أحبه.
يحب مشاهدة الفيلم بعد اتمام الرواية، فيقع في حب بطل الرواية وقد يغرم به حد الهوس، فيبحث عن أشباهه الأربعين في أرض الواقع.
هذا النوع أيضًا عاطفته قد تتجسد في أشياء اخرى، كحب رائحة الكتب، وشراء معطرات جو برائحة الكتب العتيقة! ويحب التقاط صور مكتبته، أو التقاط صورة لكتاب اليوم بجانب كوب القهوة ومشاركتها على شبكات التواصل الاجتماعي.
يعيش الذكريات، ويعاود استرجاعها في مخيلته بالاحتفاظ بفاتورة اول كتاب اشتراه بأول راتب شهري مثلًا. وله زاوية معينة للقراءة، ومشروب دافئ، وفنجان ابتاعه مخصوص لساعات القراءة.
وقد يكون كائن صباحي يستيقظ مع الفجر وقبل الجميع، حتى يجد ساعات خلوة مع كتابه. أو كائن ليلي، ينتظر حتى ينام الجميع ويصفو له الجو مع كتابه بلا منغصات، وهذا النوع لا عزاء يليق لمشاعره بعد انتهاء فترة معرض الكتاب، فقد يدخل في حزن شديد وحنين لأيام المعرض تمتد لأسابيع يعود بعدها لوضعه الطبيعي.
إنه النوع الذي يمتلك الحس العالي، المهووس بالترتيب. ولمكتبته ونمط قراءاته كاريزما خاصة لا تضاهى، فمن النادر التي تصل لدرجة المستحيل أن تجد مكتبته الخاصة وقد تناثرت فيها الكتب يمنة ويسرة، فهو لا يعرف مصطلح العشوائية.
وكثيرًا ما تجده يتصفح موقع Pinterest للبحث عن أفكار لترتيب المكتبة المنزلية الخاصة. فتارة يقوم بترتيب الكتب حسب اللون، وتارة حسب الأبجدية، وتارة أخرى حسب الصنف.
يحب التحف والرمزيات الخاصة بالكتب، فيحرص على اقتنائها ليزين بها رفوف مكتبته. وحريص أيضًا على اقتناء فواصل الكتب، حتى لا يضطر لعطف الورق، فهو حريص على نظافة كتبه، والبقاء عليها سليمة مثلما ابتاعها.
وعلى الرغم من أنه جامع للكتب، ويحب الشراء حد الهوس، ويجد فيها ثروته الحقيقية، إلا أنه قل ما تجد مكتبته غير منظمة. يخاف ويداري كتبه كالكنز، وقد يشتري أكثر من نسخة لعمل أحبه تجنبًا للإحراج في حالة طلب صديق منه استعارة كتاب. فهو تاجر الكتب بامتياز ولكنه لا يبيعها.
فكما أن هذا النوع يحب التنظيم، فهو أيضًا يكره المقاطعة أثناء القراءة وهذه من ضمن أكثر خمسة أشياء تستفز مُحبي القراءة. فعند دخلوه في مزاج القراءة، علينا أن نفهم أنه كالعابد في محرابه يتبتل.
فلان قارئ، أول مرة اعرف!
هذا النوع لا أحد يعلم أنه قارئ، فهو خجول، لا يتحدث عن قراءاته، ولا يجد ضرورة في إخبار العالم أن هناك فرد قد انضاف لعالم القراء، أو حتي سؤال الناس كيف تحب القراءة الكتب عالم واسع يتسع للجميع ولا يهمه من يعرف انه داخل هذا العالم.
عادة ما يقرأ على مهل، وبشكل احادي، فيبدأ عمل وينتهي منه ثم يبدأ في الآخر، بدون استعجال. ويجد في القراءة استرخاء ومتعة.
لذلك عادة ما يميل للقراءة في عطل نهاية الأسبوع، أو عند الانتهاء من الواجبات المنزلية. يأخذ القراءة على مهل. قد تكون عدد قراءاته قليلة، لكن لا يغرك المظهر فهو كالمحيط، هادئ ولكن قد يكون قارئ لأمهات الكتب وأفضلها.
إنه النوع المنفتح، الذي يقرأ أي شيء وبلا قيود. فهو القارئ الغير متشرط ولا الناقد. يتقبل الكل، فتجده يقرأ ويتذوق الأدب العالمي، ويقرأ في نفس الوقت مجموعة قصصية يكتبها هاو في صفحة على الفيسبوك.
يتقبل جميع المستويات الأدبية، وبالطبع له رأي ولكن يفضل غالبًا أن يحتفظ به لنفسه، ولا يجد ضرورة ملحة في مشاركة رأيه أو تقييم كتاب ما بخمس نجوم أو نجمة!
كما أنه قارئ لامتناهي، فيقرأ العناوين التي يتجنبها الأغلب والغير رائجة. يقرأ كتب بلا أغلفة وجدها في قبو منزل جده المهجور، أو كتاب مهترأ مرمي خمسة عشر عامًا على طاولة في مصلحة حكومية!
وهكذا بعد أن تعرفنا على الأنواع الثلاثة عشر للقراء ومحبي الكتب، أخبرنا أنت أي نوع وجدته أقرب لشخصيتك كقارئ..