كتاب لأ بطعم الفلامنكو عن التنمية الذاتية، والذي يطل علينا من خلاله طبيب الأمراض النفسية الدكتور محمد طه، هو ثالث كتبه النفسية التي اتخذت من اللغة العامية البسيطة المفعمة بالتعقيد النفسي مدخلًا للوصول للذات البشرية، ومخاطبة الجمهور كأنه يقف أمامهم ويحكي لكل فرد على حِدة.
اليك مقال عن مراجعة كتاب مطلوب حبيب من هنا.
في أكثر من 300 صفحة في كتاب لأ بطعم الفلامنكو يلخص د. محمد طه بسلاسة مشاكل المجتمع التي يعود أساسها لمشاكل نفسية، المشاكل التي يُستهان بها في الغالب، وتجاهل وجودها يعد واحدة من أكبر المخاطر التي تهددنا كأفراد، فتسليط الضوء عليها وضرورة إيجاد حلًا لها هو أساس صحة المجتمع ككل.
في هذا العمل الذي سنجد فيه ملخصًا لتراكماتنا النفسية بأحداث وقصص من الطفولة حتى العمر الذي نقرأ فيه العمل، بعضها مواقف خدشت أرواحنا فتركتنا أمام المشاهد في أولى تجاربها، تاركة ندوبًا نفسية مشوهة لذواتنا من الداخل، ما تلبث أن تنعكس على أنفسنا ومحيطنا بالسلب غالبًا.
فالدكتور محمد طه ومن خلال ما يقدمه، يريد لفت الانتباه لجروحنا المعنوية التي لا نكترث بها قدر اكتراثنا بجروحنا المادية، رغم أن طاقتنا الانتاجية وخلق مجتمعات صحية يعتمد على شفاء الجروح الأولى لا الثانية بدرجة كبيرة.
من خلال هذه الرؤية الواسعة والشاملة لأبرز مشاكل المجتمع النفسية لدى كاتب الكتاب، سنغوص اليوم في تفاصيل أكثر ونتعرف عن قرب على الكتاب النفسي الأشهر في السنوات الخمس الأخيرة، والذي حصل على لقب الكتاب الأعلى مبيعًا، كتاب لأ بطعم الفلامنكو.
تعرف ايضاً على مراجعة كتب خواطر شاب من هذا المقال.
محمد طه، الكاتب الذي ألهمت كتبه الكثير، فكون قاعدة جماهيرية كبيرة مخاطبًا الناس بلغتهم البسيطة غير المتكلفة، لتوصيل معلومة من خلال سطور مؤلفاته التي صُنفت في الخمس سنوات الأخيرة ضمن الكتب الأكثر مبيعًا في مصر والوطن العربي.
محمد طه هو في الأصل طبيب استشاري وأستاذ الطب النفسي في جامعة المنيا، ونائب الجمعية المصرية للعلاج النفسي، وعضو الجمعية الأمريكية للعلاج النفسي.
ومن خلال مؤلفاته التي أراد بها رفع الوعي العربي تجاه المشاكل النفسية وعدم إهمالها، جاءت حلوله استثنائية من خلال إحياء الجانب المشرق والذي تم دفنه فينا، ليكون أدواتًا نتسلح بها ضد المشاكل النفسية.
فمن خلال مسيرة ناجحة ابتداء بمخاطبة الجمهور بمنشورات على الفيسبوك، وصولًا لإصدار أول كتاب بعنوان “الخروج عن النص” عام 2016، وبعد نجاح كتابه الأول، أصدر بعدها ثلاثة كتب حققت نفس النجاح من ضمنها كتاب لأ بطعم الفلامنكو.
“اضرب الأرض، اضربها بقوة بنفس قوة راقصو الفلامنكو، ولتخبر العالم أنك ستقول (لأ)، ستقولها في وجه المواقف والأشخاص الذين يشدونك للخلف، (لأ) الإيجابية التي سنخبر بها العالم أننا سنكف عن تمثيل دور الضحية، (لأ) أننا لن نكف عن التغيير للأفضل، (لأ) لسلطتكم البالية المريضة التي تكبل أحلامنا”
بهذه الكلمات التي جاءت تصف عنوانًا لافتًا، لخص كل مشاكلنا في الحياة في (لأ)، والتي يخشى أغلبنا أن يقولها. هنا د. محمد يوضح لنا أن (لأ) على العكس مما نظن، فالعيب ليس فيها، وإنما في جهلنا بها، متى نستخدمها ولماذا نستخدمها وفي أي موقف يجب أن نستخدمها، فـ (نعم) ليست دائمًا ذوقًا وأدبًا، بل قد تكون أحيانًا استغلالًا وتنمرًا وخنوعًا.
ينقسم كتاب لأ بطعم الفلامنكو إلى ثلاثة أبواب، تلخص هذه الأبواب أسباب التغيرات النفسية التي تصل إلى حد التشوه، والبحث في مصادرها وصورها وأشكالها المتعددة، وأخيرًا تقديم الحلول ليست المثالية ولكنها الحلول الواقعية والمنطقية.
“نصيحتي إنك تقرأه على مهل، وبجرعات مناسبة، دون تعجل، أو حماس زائد“.
بهذه الكلمات يفتتح د. محمد طه مقدمة كتاب لأ بطعم الفلامنكو التي تقودنا للفصول الأول. في هذا الفصل يعرض لنا الكاتب أنواع التشوهات النفسية، وصورها المتعددة في عشرين عنوانًا فرعيًا. هنا يعرض د. محمد المشكلات فقط، يشرحها لنا ويكشف لنا جانبها السلبي في حالة استمرارها.
نكتشف في هذا الفصل الأدوار في العلاقات الإنسانية التي تبادلها الأغلب، فأصبحت الابنة أم، والأب طفل، والأم ابنة، وهكذا. هذه الأدوار التي نجدها مشوهة للعائلة وهي اللبنة الأولى لتكوين نسيج المجتمع.
ومن العائلة إلى الذات، يتطرق الكاتب لعلاقة الفرد بنفسه، كالخروج من منطقة الراحة والأمان (الكومفورت زون)، ومعاقبة النفس على أخطاء تسبب بها الغير. والخوف من قول لأ في مواقف كان يجب أن نضع لها حد.
ومن العائلة والفرد وصولًا لأفكار تداولناها كمسلمات وتعتبر خطوط حمراء لا يجب النقاش فيها. وأهمها مفهوم بر الوالدين وما هي أركان العلاقة الصحية بين الآباء والأبناء.
في هذا الباب نجد د. محمد وقد لخص لنا ستة عشر نوعًا من الألعاب النفسية، التي هي بصورة أو بأخرى نتاج تشوهات ما تعرضنا له سابقًا وتم عرضه في الباب الأول. هنا نجد نتائج إهمال التشوهات النفسية متجلية في أفعال نمارسها ضدنا وضد المحيطين بنا بلا وعي، وأحيانا يمارسها الآخرون علينا.
تأتي هذه النماذج التي أطلق عليها (الألعاب) مع عرض قصص وأمثلة تقرب لنا صورة هذه النماذج حتى نستطيع أن نجد أنفسنا أو شخصًا مر علينا في حياتنا مختبئ بين الأسطر ويصفه الكاتب وصفًا كاملًا.
يقول د. محمد طه في هذا الفصل من كتاب لأ بطعم الفلامنكو:
“أنا باقدم توصيفات دقيقة قدر المستطاع.. لكني مش باقدم حلول.. أنت وظروفك واجتهادك.. أنا بافتح عينيك … بافهمك نفسك وغيرك وعلاقتك“.
في الفصلين السابقين رصد الكاتب المشكلة، وعرض صورًا لها وأوجه شتى لطرقها الملتوية المتعددة. وبالتالي كنتيجة لعرض المشكلة فلابد من حل!
فما هو يا ترى الحل بنظر د. محمد طه!
كالعادة وكحلول كتب التنمية الذاتية الأقرب للمثالية، جاءت حلول هذا الكتاب “لأ بطعم الفلامنكو” مختلفة أقرب للمنطقية والواقعية. فجاءت على شكل أربع خطوات أطلق عليها اسم “الخارطة النفسية”.
وضح د. محمد أن النفس البشرية هي مزيج من عدة مكونات هي قليل من كل شيء، قليل من الاهتمام وقليل من الخوف وقليل من الثقة وقليل من الحلم وقليل من حب الظهور، وهكذا.
هذا القليل الذي عند اجتماعه يكون ما نحن عليه من فكر وروح وتعامل، قد ينقص كل قليل منه أو يزيد فيحدث حينها الخلل، فتنعكس على شكل أمراضًا نفسية أبسطها الأنانية والغرور، وأعقدها الاكتئاب والشيزوفرانيا.
إقراء ايضاً مقال عن مراجعة لسلسلة العبقريات من هنا.
“ما تشتغلش في بيتكم أي شغلانة غير شغلتك الأصلية.. وما تطلبش من أي حد في البيت يؤدي وظيفة غير وظيفته. ابن يعني ابن وبس.. ابنة يعني ابنة وبس.. الكبار يتصرفوا مع بعض أو يجيبوا حد كبير يتصرف معهم. زوج يعني زوج وبس.. زوجة يعني زوجة وبس.. ما حدش وصي على حد.. ولا حد ولي أمر حد”.
“(الكومفورت زون) هي المساحة النفسية، اللي بيكون فيها الواحد مرتاح ومتطمن وحاسس بالأمان، بعيدًا عن أي قلق وتوتر … إنها قوقعة نفسية، ما بتعملش أي حاجة غير إنها تقفل عليك.. وتحرمك من التجربة.. وتبعدك عن الناس.. ويبقى ده اسمه (باحمي نفسي).. و (باخد بالي منها). الفكرة الأساسية في (الكومفورت زون) هي (وهم السيطرة).. بمعنى إنك ما تعملش غير اللي تعرفه.. وما تعرفش غير اللي تألفه.. وما تحسش غير اللي أنت متعود عليه. وفي الحقيقة، أنت بتحاول بكل طريقة إنك تتجنب المخاطرة.. وتتجنب الفقد.. وتتجنب الخسارة.. لكن اللي بتكون مش واخد بالك منه.. هو إنك بكده برضه، بتتجنب الحياة.. وتتجنب القرب.. وتتجنب المكسب. (الكومفورت زون) ما هي إلا سجن صغير.. به مكيف للهواء”.
“أنا شفت أم مصرة إن كل أولادها وبناتها يبقوا دكاترة.. مش بس كده.. ده كمان لازم يتجوزوا دكاترة.. وبسبب (الولاء الخفي) اللي جوه الأولاد ناحية أمهم.. ده اللي حصل فعلًا.. وللأسف كلهم جوازاتهم فشلت”.
“بمجرد ما تتولد.. بتبدأ في استلام تركة ثقيلة وممتدة من كل أجيال أسرتك، اللي فاتت.. والحالية.. دول يسلموك مخاوفهم.. ودول يسلموك عقدهم.. ودول يسلموك سيناريوهات حياتية معدة سلفًا.. وجاهزة للتنفيذ فورًا … عايشين واحنا شايلين شيلة حد تاني غيرنا.. وماشيين وبنتحرك بيها فوق ظهرنا.. من غير حتى ما ناخد بالنا. شايلين الشيلة لغاية ما بقينا شبهها.. وبقيت شبهنا. شايلنها لغاية ما حسينا إننا أغراب تايهين من غيرها”.
“البنت اللي بيوصل لها من أهلها وناسها ومجتمعها إن جسمها ذنب، وإن وجودها إثم، وإنها قليلة وصغيرة وما تستاهلش.. شوية شوية هتصدق ده، وهتتعامل بيه، ومش هتشوف غيره، وممكن تدافع عنه، وكمان تهاجم أي حد يحاول يعرفها حقوقها ويفتح عينيها … قد إيه احنا مصدقين عن نفسنا حاجات كتير قوي.. وهي في الحقيقة.. مش حقيقة … بعد ما أصدق عن نفسي الحاجات اللي وصلتني.. واتعامل بيها مع الناس على إنها فعلًا (أنا).. ده يوصل ليهم مني.. ويصدقوه عني.. ويتعاملوا معايا على إني كده فعلًا. يعني إيه؟ يعني وصلني زمان إني ما استاهلش.. وأنا صدقت ده.. قوم آجي أتعامل مع جوزي على إني ما استاهلش.. وأعيش خانعة مقهورة مطفية.. فهو يشوف ده فيا.. ويديني فوق دماغي أكتر. وصلني زمان إني فاشل.. وأنا صدقت ده.. قوم كل ما أبدأ شغل جديد.. أتعامل مع زمايلي على إني فاشل.. وهم يشوفوا ده فيا.. ويتعاملوا معايا على أساسه.. يتعاملوا معايا على إني فاشل”.
“فيه نوع من الناس بيتصرف مع اللي حواليه طول الوقت على إنه شخص لطيف جدًا.. بيرضي كل الناس، مش عاوز يزعل حد، ممكن يتكسف إنه يقول (لأ).. أو يخاف إنه يعترض أو يغضب أو يزهق، وإن ده يبان عليه.. دائمًا بيحاول يتجنب المشكلات، ويرضي جميع الأطراف.. وساعات كتير بيقدم احتياجات الآخرين على احتياجاته هو شخصيًا.. مهما كان جواه من مشاعر إنسانية عادية، واحتياجات بشرية لا جدال فيها.. بيسموه People-Pleaser (مرضي الناس). الشخص ده اتعود من صغره إنه يفضل دائمًا الطفل اللطيف الظريف … اللي مش بيشتكي، ولا بيهش ولا بينش … الطفل ده بيعمل كده على حساب نفسه، وبيكتم جواه”.
“كل الأديان بتدعو لطاعة الوالدين.. وبرهما.. وخفض جناح الذل من الرحمة لهما.. وده طبعًا حقهم بلا جدال. بس لو حد من الوالدين دول قاسي.. مؤذي.. مشوه نفسيًا لأولاده؟ لو حد منهم مضطرب.. مش متزن.. مختل؟”.
“النجاح الحقيقي للتربية.. هو إن أبنائي يطلعوا مختلفين عني.. مش نسخة مكررة باهتة مني”.
“ما فيش حاجة اسمها تتجوز علشان تكمل نص دينك.. كمالة دينك (كله) هتيجي بعد الجواز كنتيجة لحسن الاختيار وحسن المعاملة وطيب العشرة.. لكنها أبدًا مش مبرر للتسرع والاندفاع.. وياللا بينا نتجوز”.