ليوناردو دافنشي، رسّام ومهندس عصر النهضة، وُلد عام 1452م، في قرية فينشي في جمهورية فلورنسا بإيطاليا، من علاقة غير شرعية، فقد كان والده كاتب عدل، وأمه امرأة فلاحة عادية،
ولمّا أغواها والده فحبلت، كانت العلاقة بينهما قد انقطعت، فلما وُلد ليوناردو عاش أول الأمر مع أمه وأهلها الذين عاملوه بقسوة؛ فكانوا يرونه سببَ عارٍ وخزي لهم، ولما عرفه أبوه بميلاده، راسل والدته ليأخذه ويربيه، فوافقت.
اعترف جد ليوناردو – والد أبيه – به وأقر بشرعيته في الميراث، وكان والد ليوناردو مزوّاجًا، فقد تزوج أربع مرات ليُنجب 12 طفلًا، لكنهم لم يُشركوا ليوناردوا في الميراث،
لأن الجد حصر ميراثه في دائرة ليوناردو وأعمامه فقط، فكرههُ بعض إخوته لذلك، حتى أصغرهم الذي وُلد وليوناردو في الأربعين من عمره كرهه أيضًا!
إقراء ايضاً عن يوليوس قيصر من هنا.
“لم يسبقهُ إنسانٌ في تعدّد مواهبه وعمقها، فيبدو عقله وشخصيته غير بشريّين لنا”
-هيلين غاردنر-
“ما إن تتذوق طعمَ الطيران، ستسير دومًا على الأرض فيما عيناك معلقتان في السماء، حيث أنك كنت هناك وإلى هناك ستتوق إلى العودة دومًا”
-ليوناردو دافنشي-
بدأ يظهر على ليوناردو دافنشي اهتمامه بالرسم منذ الصغر، رغم أنه لم يتلقَ تعليمًا أكاديميًا، فقد اكتفى بمعرفة القراءة والكتابة والرياضيات، وأثناء ذلك كانت أن ظهرت عليه بوادر إتقان الرسم، فقد قيل إن رجلًا أرسل درعه لدافنشي وهو ما يزال صغيرًا ليطليها،
لكن ليوناردو دافنشي رسم عليها تنانين وملحمة أسطورية كبيرة، فلمّا رأى والده ذلك، أخذ الدرع وباعها بسعر عالٍ واشترى درعًا آخر مدهونًا ليعيده لصاحبه. وبغض النظر عن مدى صحة تلك القصة إلا أن والد دافنشي عنيَّ بموهبة ابنه، فقد أرسله لورشة الرسام الإيطالي الشهير “فروكيو”.
في ورشة “فروكيو” بدأ دافنشي يتعلم فنون الرسم، ويُتقنها، ويُنمي موهبته بشكل واضح، وقد اهتم به أستاذه فروكيو دونًا عن الطلاب جميعًا، فقد شعر بأنه سيكون ذا شأن عظيم في المُستقبل.
قام دافنشي بمساعدة أستاذه في رسم العديد من اللوح ومنها لوحة معمودية المسيح، والتي شارك فيها دافنشي في رسم الملاك الحامل لرداء المسيح، بينما أتمم أستاذه كل اللوحة؛ مِن شخص يسوع إلى يوحنا المعمدان.
وكانت أول لوحة يرسمها دافنشي هي لوحة “وادي أرنو” والتي رسمها بالحبر والقلم عام 1473م، وكانت تضم منظرًا طبيعيًا لذلك الوادي، وكان حينذاك ابن السابعة عشر من عمره.
تعرف ايضاً على أهم أعمال كارل ماركس من هنا.
(لوحة معمودية المسيح)
لمّا وصل دافنشي إلى عمر العشرين، تأهل ليصبح عضوًا بمرتبة محترف في نقابة القديس لوقا، وهي نقابة للفنانين والأطباء، وقد عكّف على دراسة الطب والهندسة والفلك والجيولوجيا والعديد من العلوم الطبيعية الأُخرى، بجانب العلوم الإنسانية كالشعر والأدب والمسرح.
في عام 1482م كلّف حاكم فلورنسا ليوناردو بصنع قيثارة فضية، كي يرسلها إلى حاكم ميلانو، عربون سلام. وأثناء ذلك طلب دافنشي من حاكم ميلانو أن يعمل عنده، وقدّم نفسه كمهندس حربي؛ فقد رسم بعض المخططات الحربية، من الدبابة المُدرعة، والبراشوت والهليكوبتر.
وبالطبع وافق حاكم فلورنسا على ذلك، وأُرسل دافنشي إلى حاكم ميلانو ليعمل عنده كرسام ونحات، ولكن لابد من الإشارة إلى أن كل الاختراعات التي سجلها ودوّنها دافنشي لم يقم بتصميم أي منها،
واحتاج العالم لأكثر من خمسة قرون ليبدأ بتنفيذ مثل تلك الاختراعات المذكورة أعلاه، فليوناردو كان سابقًا لعصره وأوانه بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
أثناء قيامه في ميلانو، طلب منه الحاكم عددًا من اللوحات والتماثيل، وقام دافنشي برسمها ومنها لوحته العشاء الأخير، والتي تحكي اللحظات الأخيرة للسيد المسيح قبيل هجوم الجند واختطافهم إياه لصلبه،
حين عرّف تلامذته الاثني عشر أن أحدهم خانه، وكان قد رسمها لغرفة الطعام في كنيسة سانتا ماريا ديلي غراسي في ميلانو، لكنها تعرضت للتلف ورُممت أكثر من مرة.
(لوحة العشاء الأخير)
بجانب إتقانه للرسم والنحت (حيث نحت تمثالًا برونزيًا للحاكم الوالد لميلانو) فقد اخترع آلات حربية ساعدت ميلانو ضد فرنسا في الحرب، إلا أن الأخيرة – رغم ذلك – انتصرت، وقضى دهرًا يدرس علم النباتات والجراحة والمعادن وعلم الحيوان،
ويظهر تأثره بتلك العلوم في الكثير من رسوماته، فقد أبدع في رسم رحم الأم حيث يسكن الجنين، وكان له العديد من الملاحظات في طب الجراحة.
وبعد سقوط ميلانو أمام فرنسا في الحرب، فرّ دافنشي مع الأسرة الحاكمة، كما سافر إلى الفاتيكان، وخصص له أخو البابا ليو الحادي عشر عدة غرف في الفاتيكان ليدرس العلوم ويُطالع الكُتب فيها.
لكنه بعد زمن قرر العودة إلى ميلانو حيث كانت تقع تحت احتلال الفرنسيين، ولمّا رآه الفرنسيون، قرروا أخذه كغنيمة حرب وإرساله لفرنسا كفنان عبقري، وهناك قاموا بتوفير كل احتياجاته التي يحتاجها للرسم والنحت كما يشاء،
فرسم لوحة الموناليزا، والتي تحمل في طياتها أسرارًا كثيرة لم يستطع أي إنسان تحديدها إلى يوم الناس هذا؛ بين من قال إنها تراقب الناظرَ لها في 30 درجة، سواء اتجه يمينًا أو يسارًا، تظل عيناها ثابتتين عليه.
وبين من قال إن ملامحها صعبة التحديد، فلو كنت حزينًا ستراها حزينة، ولو كنت سعيدًا ستراها بالمثل سعيدة. ومن قال إن السبب وراء تلك الحيرة في ملامحها أن ليوناردو لم يرسم لها حاجبين، فزاد من غموضها.
تعرف على أهم الأسرار وراء عجائب الدنيا السبع من هذا المقال.
(الموناليزا)
اختلف المؤرخون حول لوحة الموناليزا، فمنهم من قال إنها لوالدة دافنشي، ومن قال إنها كانت احتفالاً بقرب ولادة مولود التاجر – أي أن زوجته كانت حاملًا وقت رسم اللوحة،
والبعض قال إنها ليست سوى رسمة لدافنشي نفسه لكن على شكل أُنثى كأنه يتساءل: ماذا لو كنت امرأة؟ وأصحاب هذا الرأي يؤيدونه نظرًا للتشابه بين ملامح دافنشي والموناليزا. اليوم توجد الموناليزا في متحف اللوفر خلف زجاج مضاد للرصاص وتعتبر كنزاً وطنياً يراها ملايين الزوار.
(مِن شمال غرب اللوحة إلى جنوب شرقها، نرى تدرج الصورة من الموناليزا إلى دافنشي)
توفي ليوناردو دافنشي في فرنسا عام 1519م بسبب سكتة دماغية ودُفن في فرنسا، وبعد موته بفترة اندلعت الثورة الفرنسية واقتحم الثوار مقبرة ليو ونبشوها سارقين رفاته!
مما لا شك فيه أن ليوناردو دافنشي ترك أثرًا ليس باليسير على عالم الفن والهندسة، فيُعد الأب الروحي للهندسة المعمارية، كما أن رسوماته أثرت على جيل النهضة الأوروبية، فهو يُعد أحد رموز عصر النهضة،
إلا أنه ترك عظيم الأثر على مايكل أنجلو، والذي عاصره في آخر حياته وكان يحاول أن يكون ندًا له، لكنه فشل بالطبع، وأثر في الفكر والثقافة آنذاك.
كما أنه يُعد مصدر جدل حتى الآن، فكل اختراعاته التي لم يُكمل تصميمها هي التي توصلنا إليها في القرنين السابقين، وهذا أمر عجيب! فكيف له أن يتوصل لمثل تلك الأمور، والتفسير الوحيد أنه كان صاحب عقلية جبارة.
لكن هناك من يرون أنه كان على تواصل بالعالم السفلي؛ فقد كان إنسانًا عجيبًا غريبًا، فقد ذكر في مدوناته أنه لمَّا كان طفلًا كان يذهب إلى كهف على أطراف القرية ويدخله فيسمع أصواتًا مخيفة آتية منه.
ويُقال إنه – أي دافنشي – كان عنده قدرة عجيبة على التركيز تفوق قدرة البشر، فقد كان يرسم بيديه الاثنتين ويستخدم ألوانًا ورموزًا لم يُعرف أسرارها إلا فيما بعد، حتى أن طريقته في تسجيل ملاحظاته وأفكاره في مدونته الشخصية، طريقة غريبة،
فحين كان يبدأ بالكتابة كان ينطلق من اليمين إلى اليسار، فيكتب عكس الخط، خوفًا على أفكاره من السرقة، وقد عُرضت مدونة دافنشي للبيع واشتراها بيل جيتس بـ 30 مليون دولا.
تأثر بلوحاته العديد من الكُتاب والشخصيات مثل “مايكل جيلب” والذي رآه شخصية مميزة، فألف كتاب كيف تفكر كدافنشي – how to think like Leonardo da vinci؟
كما تأثر بلوحاته، خاصة لوحة العشاء الأخير، الروائي دان براون والذي ألف رواية شيفرة دافنشي، da vinci code.
وقد حُولت الرواية إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم من بطولة توم هانكس.
وقد عفت المحكمة عنه هو والمتهمين الثلاثة الآخرين لعدم ثبوت الأدلة، لكن كان لسيغموند فرويد رأي آخر، وهو أن أحد المتهمين الثلاثة كان “ليوناردو دي تورنابوني” وهو قريب للملك “لورينزو دي ميديشي”، مما يدل على أن الأسرة الحاكمة استغلت نفوذها للتغطية على الحادث.