مؤلفات نجيب محفوظ من أهم المؤلفات التي عرفت علي مر العصور وعشقها الكثير من القراء ولكن يبقي السؤال هنا من أين تبدأ القراءة لكتب ومؤلفات نجيب محفوظ ؟
بالتأكيد سَتَكُون مِهِمة صَعَبة أن نُحاوِل فى مَقال قَصير وَضَع أولي خَطواتَك فى عالَم (نَجيب مَحفوظ)، أو حَتي الإشارة لَكَّ بالخَطوة التالية فيه. دُخول عالَم (مَحفوظ) الروائي أشبه شئ بِرحلة حياة كاملة؛ رِحلة أّرَّخَت نَفسِها فى خَمسة وخمسين عملاً أدبياً، وعُمراً مُمتَدَاً مِن مَولِده، فى عام 1911، وصولاً إلي غِيابه بالجَسَد فى عام 2006.
كُتبُه رَصَدَت ودَوَنت مِصر التي رآها، أحداث الغَليان عَلي السَطح، ودوافِع الأفراد، والمُجتَمَعات فى العُمق. عَالَمهُ أشبه بِعَدَسة صَغِيرة، نَفَذت إلي أغوار الحارة المَصرِية، فإتَضَحَ خَلفَّ التفاصيل المَحَلية الصغيره، العالَم علي إتساعه، والإنسان ككائن بَشَري يواجِه نَفس الصراعات، والأسئِلة الكُبري.
فى حالِة كانَت تِلك أولي خَطواتَك للإقتِراب مِن مؤلفات نجيب محفوظ إبن الجَمَّالِية؛ فإن ما عَلَيكَّ فِعلُه هُوأن تَخَلَع بُرقُع صُوَرَك الذِهنية التي رُبما فَرَضَتها عَلَيك بَعض الأفلام المأخوذة عَن رِواياته. عالَم الرواية مُختَلِف تماماً عَن عالَم الدراما خاصةً فى حالة أديب نوبل.
مَرة آخري، عالَم مؤلفات نجيب محفوظ مُتَسِع إتساع حَدِيقة غَنَاء. يُمكِنك أن تَقطِف مِن ثِمار الأشجار الأدبية التي تَحلو لَك. ويُمكِنَك أن تَدلُفَها مِن الباب الذي يُناسِبَك.
أحد مؤلفات نجيب محفوظ مُخَطط نَجِيب مَحفوظ الروائي كان أن يَكتُب تاريخ مَصَر بالكامِل روائياً؛ لذا فإن أول ثُلاثية له كانت ثُلاثية تاريخية-روايات مُنفَصِلة-.
أراد نَجِيب مَحفوظ بِهَذا الإتِجاه أن يُشير بالماضي إلي الحاضر في مُحاوَلِة للوصول إلي جُذور الهوية المَصرية.
أولي رواياتة عَبَث الأقدار تَتَناول قِصة بناة هَرم خوفو، وتناقش الرواية بِشَكل أساسي الصراع بين الإرادة الفردية وحتمية القدر، بَينَما كانَت كِفاح طيبة- ثالث أعمال هَذا المَشروع التاريخي- إستِلهاماً لقِصة الملك أحمُس، وطَردُه للِهكسوس مِن أجل بِناء شُعور وَطني تَزداد بِه القَناعه والثِقه فى قُدرة المصريين علي الخلاص مِن الإحتلال الإنجليزي.
لِذا إن كُنت مِن عُشاق التاريخ فَعَلَيكَ بالبِدء بِباكورة إنتاج مؤلفات نجيب محفوظ الأدبي والتعرف علي أعوام نجيب محفوظ – البدايات والنهايات.
مِن الواضِح أن شَغَف نَجِيب مَحفوظ بالتارِيخ لَم يَتَوَقَف؛ فَسَوفَ تَجِد هَذا النَبَع يَتَجَدَدَ مَرة آخري فى مؤلفات نجيب محفوظ مِثل العائِش فى الحَقيقة، ولَكِنه ليس نَفس النَهر الذَي عَبَرتُة أول مَرة.
كُتِبَت الرواية فى العام 1985 بَعَد أن إعتَصَر مَحفوظ أساليب الكتابة الروائية، وإعتَصَرَته، فكانَت تِلكَّ التُحفة الأدَّبية بِبُعدَيها التاريخي، والنفسي. تَرصُد الرواية دعوي التوحيد الديني الأول في مِصر القَديمة؛ قِصة أخناتون.
إستَخدَمَ نَجِيب مَحفوظ تِقنية الرواة المُتَعَدِدين حَيثُ يَتَتابَع ظُهور الأبطال، الواحِد تِلو الأخر، كُلاً يَحكي القِصة كما رآها بِعيني قَلبُه. تارة سُتُقَيِم المَوقِف عَسكَرياً بِعيني حورمحب القائِد العَسكَري الذي يَخشي عَلي إهتزاز إستِقرار بلادُه العَسكَري بِسَبَب تِلك الدعوة. ثُمَّ تَراها بأعين الكهنة الذين يَخشُون عَلي مَصالحهِم.
وتَحيا بِقَلبَك مع أخناتون، وكأنهُ نَبي يَدعو الناس، ولَكِنه ليس لَهُ كَرامِه فى مَوطِنه.
ولَكِن سُرعان ما إنتَقَلت مؤلفات نجيب محفوظ مِن التعامُل مع الحاضر بالإشارة الرمزية رجوعاً إلي الماضي؛ نَحو التَشَريح المباشر. كانت أحداث الواقع أكثر سخونة وحيوية مِن أن يَترُكها. لذا إتجه نجيب محفوظ بِمَشروعة الرِوائي نَحو الرواية الواقعية، فأخَذ يُشَرِح المُجتَمع المَصري، يَرصُد مُعتَقَداته والتيارات السائدة فيه.
ثُلاثِيَتُه المَشهورة والمُسَماه إصطلاحاً ثُلاثِية القاهِرة التي رَصَد فيها التاريخ المَصرى فى الفَترَة المُمتَدَة ما قَبلَّ عام(1919)، وحَتَّي العام(1943).
يُقَدِم (مَحفوظ) شِهادة أدبية نابِضة بالحياة والتفاصيل، لأحداث عايشها طفلاً، ومُراهِقاً، ثم هَضَمها، وإستوعبها؛ فَكتَبها ناضجاً. رُبَمَا يُمكِننا النَظَر اليَوم إلي هَذة الروايات عَلي إنها روايات تاريخية؛ لأنها تُمَثِل زَمَناً بَعيداً بالنِسبة إلينا. وبالتأكِيد سَتُعطِينا ألواناً ناصِعة نُعالِج بِها تَدوين(الرافِعي) الجاف لِتِلك الحِقبة.
سَتَجَد فى جَنة مؤلفات نجيب محفوظ الروائية مِساحة إنتقال، ما يُشابِه الطَبِيعه عِندَما تَصمُت، سَهلٍ يَنبَسِط لَكِنه يَقودَك بإتِجاه مَنظَر خَلاب أشَد إبهاراً.
تَوَقَف نَجيب مَحفوظ بَعد السُكَرية، والصادِرة فى عام1957 عَن كِتابة الرواية، وعَلَي الرَغم مِن تَعَدُد الروايات، والتَفسيرات؛ فإن التَفسِير الأقرب لطبيعتة، والطَبيعة الروائية، هي إنه أراد أن يَستَوعِب ما يَجري، أن يَتأمَله حَتَّي تَتَضِح الصورة.
كانَت اللص والكِلاب؛ أولي مؤلفات نجيب محفوظ المَنشورة بعد لسُكَرِية.
فى روايتة اللِص، والكِلاب تناول نَجِيب مَحفوظ قِصة حَقِيقية كَتَبَت عَنها الصُحف حِينها، وأحدَثَت ضَجة، بَطَلها محمود أمين سليمان، قاتِل زَوجَتُه السابِقة ومُحامِيه.
السؤال الأساسي للرواية يَقَع فى مَشهَدَها الأخير، سَعِيد مَهران لِص تُطارِده الكِلاب.
وَسَّعَ (مَحفوظ) مَفهوم الخيانِة فى الرواية لِيَشمَل خيانة المُفَكِرين، ومُداعِبي أحلام الطبقات الفَقيرة بحياة أفضل – والمُتَمَثلِين فى شَخصية الصَحفى رؤوف علوان – ، الذين بِمُجَرَد إنتهاء الثورة، أعادوا تَرتِيب الحياة والأوراق دون الإعتبار لِلبُسطاء.
يُمكِننا أن نَلمَح نَفس السياق فى رواية ميرامار؛ ذَلك البنسيون الذَى جَمَعَ المُستَفيد مِن ثورة يوليو، إلي جانِب الذى طالهُ أذاها بتأميم أملاكه.
نَفس تِلك الوعود السرابية التي أغري بِها سرحان البحيري المَوظَف الوصولي زُهرة تِلك الريفية البَسيطة. وإن كان يُمكِننا رؤية حِيرة زهرة خادِمة البَنسيون المَحبوبة كَصَدَي لحيرة مَصر بين تياراتها المُختَلِفة.
أحد مؤلفات نجيب محفوظ وأما عَن صُعوُبة الإنتِقال مِن العَصر الوَفدي إلي العَصر الثورى الجَديد؛ كانَت رواية الكَرنَك بِمثابَة ناقوس خَطَر، أو تَحذِير شَديد اللَهجة يوَجِهه مَحفوظ للنظام بِسَبب غياب الحُرية؛ فَبَعدَما هَمَسَ فى اللص والكلاب عَن أخطاء النظام، ولَمَّحَ لها ميرامار؛ فإنه يَصرُخ فى الكَرنَك.
لم تَتَوَقَف محاولات مؤلفات نجيب محفوظ عَن تَشرِيح المُجتَمَع المَصرى، وفَهم مُشكِلاتُه؛ فَيُمكِنك السَير مَعه وصولاً إلي رواية يَوم قَتل الزَعِيم، وهي قِصة حُب تَدُور أحداثَها فى نِهاية عَصر السادات، حَيثُ يَقِف الإنفِتاح الإقتصادي بِنتائِجُه الطاحِنه لِلطَبَقة المُتَوسِطة في وَجه قِصة الحُب.
يُمكِننا أن نَعتَبِر ثلاثية أولاد حارتنا، قلب الليل،رحلة إبن فَطَومة هي البَوابَة المُمَيَزَة لِدخول عالَم نَجيب مَحفوظ الرَمزي. مِن المَعَروف فى العالم الأدبى أن التيار العام لِلكتابة يَنتَقِل إلي الرَمزية حينما يصير الواقِع مُحبِطاً.
كانَتَ أولاد حارتنا رواية لنجيب محفوظ الرواية الأشهر بينهم، أشهَرها بِسَبب الضَجة التي أحدَثَتها، حيث ظَلَت مَمنوعة مِن النَشَر فى مَصر مُنذ عام 1959 بَعدَما نُشِرَت أوَّل مَره مُسلسَلة بصورة يومية فى جَريدة الأهرام، حَتي العام 2006.
هي أشهَرهُم أيضاً بِسَبب تَعَدُد طُرُق قِرائتها وتَفسِيرها. ولَكِن عَلي أي مُستوي أردت قِراءة الرواية؛ فلَن تَستَطِيع أن تَمنَع نَفسَك وأنت تَقرأها عَن البَحث في دلالات، ورموز الشخصيات، والأحداث.
ونَظَراً لإننا نَبحَث فى تِلك المَقال عَن المُتعَة الأدَبية والفِكرية؛ فالأفضل لَكَّ أن تَعتَبِرها تأريخاً لرحلة البَشَرية الروحية، بَحثَها عَن الله، تَوقَها للعَدالة والحَق.
أنصَح قارئ هَذِه السطور أن يَتبَع قرائتها بقراءة رواية قَلب الليل والَتي عَلي الرَغم مِن بَساطَة السياق الذى إختاره لها محفوظ حَيث يَروي البَطَل قِصتَه، وهو جالس إلي شَخص غَريب فى المقهي؛ فإنهُ بَرَع بِهَذِة الرواية فى تَكثِيف رِحلة البَشَرية الفِكرية مُنذُ عُصور الفِطرة البدائية، وحَتَي عَصر الشِيوعية.
ضِلع المُثَلَث الثالث؛ رواية رِحلة إبن فَطومة التي تُورِد قِصة شاب رحالة عَرَبي خَرَج مِن دياره بَحثاً عَن العَدالة.
مَرة آخري يُقَدِم مَحفوظ نظرة بانورامية عَلي التاريخ السياسي، والطُرق المُختَلِفه التي حاوَلَت بِها المُجتَمَعات تنظيم نفسها.
نهاية الرواية-فى رأيي- صوفية أبرَزَ بِها محفوظ إحتياج الإنسان إلي صياغة نِظام إجتماعي يُعاد فيه تَقدير البُعد الروحي لِلبَشَرِية.
ذَلِك الحِس الصوفى الحَكِيم الذي تَمتاز به كِتاباتة الآخيرة تَتَجَلَي ذُروته فى مَجموعَته القَصَصية (أحلام فَترة النَقاهة). أحلام يَبدُو فِيها صاحِبها محاوِلاً الإمساك بالأحداث، والشَخصيات المؤثرة في حياتُه، والعالِقه عَلي جُدران ذِكرياته.
لا يُمكِننا بالتأكِيد حَصَر عالَم مؤلفات نجيب محفوظ الروائي، أو بالأحري جَنَتُه الأدبية فى مقال وَحَيد. فَقَط كُنا نَسَعي فى هَذا المَقال أن نُرشِدِك إلي أبوابَه الثَلاث الكَبِيره.
يُمكِنَك بَعدَ أن تَقرأ أعمال نَجِيب مَحفوظ، أن تَستَبدِل(ميرامار) ب(ثَرثَرة فوق النيل) مُعتَبِراً أن عَبَثِيتَها أكثَر مُناسَبة لِتَكون بوابة عالمه الواقعي، أو أن تَدعو آخرين لقراءة(الحَرافيش) كَدَليل عَلي إبداع صاحِبها فى إستِخدام الرَمز.
تتيح لَكَّ مؤلفات نجيب محفوظ طَيفاً واسِعاً مِن رواياته التي تَحَوَلت إلي أعمال سينيمائية، ودرامية، لذا يُمكِنَك أن تَقضى وقتاً مُمتِعاً فى مقارنة الأصل والصورة.
لا يُمكِن فَهَم الرواية العَربية الحَدِيثة مِن دون قراءة نَجِيب مَحفوظ؛ أديب نوبل العربي. الذي لم يُغادِر القاهِرة سوي مَرَتين، ولَكِنه عَكسَ فى رواياتُة فهماً لِلعالم، وللإنسان. مُخَلِد الحارةَ المَصرَية؛ الذي ألبَسها بِقَلمِه ثوبها الساحِر. نَدعوك فى هَذا المَقال لِزيارة جَنَة ماتزال ثِمارِها قادِرة عَلي إشباع عَطَشَك الأدبى والفِكري.