دعاء الكروان رواية اجتماعية للكاتب طه حسين لها مفرداتها الخاصة، في قانون يسعى إلى أخذ الثأر من الظالم لإراحة نفس المظلوم، لكن في النهاية للعدالة كلمة من الممكن أن تغلبها كلمة الحب في الجهة الأخرى للميزان
احصل علي نسخةفي دعاء الكروان، عندما تشتعل نيران الانتقام داخل النفس. لن يستطيع أن يطفئها أحد وسيدفع كل شخص ساعد في إشعال تلك النيران الثمن باهظاً حتى لو كان ثمنها حياة. الانتقام يعمي القلب قبل العقل ويتحكم في المشاعر، يكون هو القواد للإنسان يوجهه لإشباع عطشاً يزداد كل لحظة لتحقيق مراد يسعى إليه. فما بال انتقام ممزوج بحب، يصبح الإنسان بين أمرين كل عكس بعضهما.
الانتقام يجذبه لطرف، والحب يجذبه إلى عكس الطرف. يحتار بين أمرين لا يستطيع أن يتذوق أي منهما، هل طعم الانتقام المر أم طعم الحب الحلو. يحتاج الانسان حينها موجه ليرشده، فما كان هو إلا دعاء الكروان.
تبدأ الأحداث في دعاء الكروان من النهاية. تسرد لنا البطلة لماذا هي الآن في ذلك الموقف؟ هل كان برضاها أم رغماً عنها؟ هل حصلت على ما تمنته أم في طريقها للحصول عليه؟ هل ما تنوي عليه خير أم شر؟ ثم تبدأ في أن تقص القصة من البداية عن حياتها وعن عائلتها البسيطة، وكيف أن المشاكل كانت تلاحقها من دون ذنب، مما أدى إلى انقلاب حياتها رأساً على عقب وأصبحت بلا ظهر تأوي إليه ولا حماية لها من الأغراب.
ازداد كلام الناس من حولها عن عائلتها، مما دفع أهلها إلى ترك ديارهم ليبحثوا عن مكان آخر. ليس من السهل التأقلم على حياة جديدة لم تعتد عليها، فالمعيشة أصبحت صعبة وأكثر اختلافاً مما اعتادت عليه من الناس والتعامل فيما بينهم واللغة التي يتحدثون بها مختلفة عما ربيت عليه.
مع مرور الوقت تأقلمت هي وأختها وأمها في ذلك المكان البعيد عن المكان الذي عاشت فيه. مرت الأيام وازدادت الألفة بينها وبين المكان الجديد. لكن حياتها ليست كما كانت تتمنى، فانقلبت حياتها هي وأختها مرة أخرى دون أن تدري ما السبب لكن ما كان عليها سوى السمع والطاعة لأمها. تركوا ما بنوه وسعوا إلى أماكن أخرى مع أناس جدد يبحثون عن الرزق والأمانة، لكن لم تكن تتوقع أن شخصاً من ماضيها السوداوي سوف يعود للظهور لها.
ذلك الشخص كان يحمل بين ثناياه الرغبة في الانتقام من شيء لا تدري ما هو لكنها تعرفه بعد وقوعه. أمر حطم جزء من حياتها إلى الأبد. ذلك الجزء لم يكن سهل ملئه سوى بالانتقام أيضاً من شخص لم تكن تتوقعه. نيران الانتقام تزداد يوماً بعد يوم بداخلها، لم تحاول أن تطفئها سوى بالسعي نحو الخلاص وتحقيق العدالة لمن فقدته.
عادت إلى المكان الذي بدأت فيه الأحداث لكي تكتب نهايتها هناك أيضاً. كانت تخطط بدقة كيف تنفذ كل خطوة سوف تخطوها. كيف ستصل إلى هدفها في النهاية. تحاول أن تصل بنفسها في النهاية إلى بر السلام.
في نهاية دعاء الكروان تصل إلى مرادها وهو المكان التي تحدثنا عنه في بداية الرواية حيث تكتب النهاية سطورها الأخيرة، سطوراً لم تكن تتوقع هي أن تكتبها بنفسها.
دعاء الكروان قصة رائعة وأحداث لها مفرداتها الخاصة. كتب لنا الكاتب الكبير طه حسين إحدى روائع الأدب العربي. حكاية ممزوجة بمفردات ما بين الانتقام والحب، تسعى بطلة الحكاية أن تجد الخلاص لما فقدته من حياتها. أن تتسلح بالانتقام لم يكن خيار بالنسبة لها لكن واقع فرضه عليها واقعها المر. في قانون يسعى إلى أخذ الثأر من الظالم لإراحة نفس المظلوم، لكن النهاية أن للعدالة كلمة من الممكن أن تغلبها كلمة الحب في الجهة الأخرى للميزان.