نبذة عن برلين 69

تُعد رواية برلين 69 مثالًا حيًّا لما يُعرف بأدب ما وراء القصّ، والذي ظهر في سبعينيات القرن العشرين، وأطلقت عليه الكاتبة ليندا هاتشيون بالأدب النرجسي، والذي تتداخل فيه عناصر الرواية من أحداث وشخصيات مع تعليقات الكاتب نفسه على اللغة والأسلوب، وكأن الكاتب لا يأبه برأي القراء والنقاد، ويرى أنه محور الحدث هنا.

وقد اشتهرت أغلب روايات العملاق صُنع الله إبراهيم بذلك؛ لأنها تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة، لغةً وسردًا، فنجد الفوضوية الجاثمة على صفحاتها: دوامة من اللا ترابطية بين الأحداث وتعليقات الكاتب على الرواية.
تدور أحداث الرواية في برلين الشرقية الشيوعية سنة 1969م، في ظل الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي الشيوعي والغربي الليبرالي.

تبدأ رواية برلين 69 بسفر الصحفي المصري صادق الحلواني إلى برلين الشرقية للتعرف على المجتمع الألماني ومعايشته للحياة تحت القمع الشيوعي الأحمر لكل ما يرمز لليبرالية الغربية من فنون وآداب ومسارح وسينما. تتعدد شخصيات الرواية؛ لانز بيرنبك وزوجته، فراو إيلين، كاتيا، والأرملة فراو فرويليش، أنجمار “وهي السيدة التي أحبت الحلواني بصدق”، وريناتا وهايدي. كما يظهر في الرواية عدد من الشخصيات العربية والكردية، والتي

يتخذها الكاتب وسيلة لإبراز القضية الكردية، فتظهر السجالات والمناكفات السياسية بين العرب والكرد في الرواية.

الحلواني، والذي سافر إلى برلين للعمل بوكالة الأنباء الألمانية، محظوظ إلى حد ما، باستثناء ما يخص النساء؛ ذلك لأنه كان يحسب أنه ما إن ينزل بأرض غريبة لم تطأها قدماه من قبل، خاصة أرض الأوروبيين، أو الفرنجة حسب تعبير البعض، حتى تترامى النساء عليه، خاصة وأنه عربي مصري.

وفي يوم ما تطرق بابه ابنة صاحب المنزل، بملابس خفيفة، وبينما الأفكار الجنسية تصول وتجول في رأسه وهو واقف أمامها، تصعقه الفتاة بقولها إن أباها يُطالبه بفض الغرفة ودفع الأجرة في أسرع وقت ممكن!
يترك الحلواني الغرفة، ويذهب للعيش مع سيدة تُدعى أنجمار وابنها الوحيد، ويقع الاثنان في حب بعضهما، ولكن ما إن تمضي الأحداث حتى يرحل عنها الحلواني دون سابق إنذار أو سبب واضح.

تُعد رواية برلين 69 نموذجًا جغرافيًا واضحًا لمدينة برلين الشرقية، فالسرد هنا يشمل تفاصيل المدينة بأحيائها وأزقتها، كذلك حياة الناس وسلوكهم المعيشي، حتى نكاتهم وسخرياتهم، كقول أحدهم: “نحن الألمان مجانين، نعمل بجنون، وعندما نشعر بالملل نشعل حربًا نخسرها ثم نُكرر الأمر. لماذا؟ لأننا نصل دائمًا مُتأخرين إلى السوق العالمية”.

كما تطال تلك السخرية رموز اليسار السياسي، وعلى رأسهم العراب الأول كارل ماركس، فيسرد أحد شخصيات الرواية قصة كارل ماركس في أسلوب ساخر قائلًا: “عاشق وقع في حب فتاة أرستقراطية تكبره بأربع سنوات وعمره ست عشرة سنة، ثم تزوجها بعد ثماني سنوات، ونشط في الحركة الاشتراكية السرية، ثم انتقل للحياة في لندن وكانت النقود مشكلته، فقد رفض أن يكون آلة لجمع المال،

وعاش هو وأسرته على عائد كتاباته ومساعدات الأصدقاء، وانتحر اثنان من أبنائه السبعة، وكان نادرًا ما يستحم فعانى طيلة العشرين سنة الأخيرة في حياته من البثور. كما كان سعيدًا في زواجه الذي لم تمسه سوى فضيحة واحدة عن علاقته بالخادمة التي أنجب منها ابنًا غير شرعي رفض الاعتراف به”.

قد يظن البعض أن شخصية الحلواني تتقاطع مع شخصية صُنع الله إبراهيم ذاته، ذلك لأن الأخير لا يدع مجالًا في الرواية حتى يجول بصوته ورأيه في كل مناسبة بدون أدنى دعوى، يكفي أنه كاتب الرواية، وهذا ما يُسمى بالأدب النرجسي، وهو لون من ألوان الأدب غير قائم على العرض والطلب، ففي ذلك تسليع له، وإنما قائم على الامتلاك والاستملاك وشيوع الفكرة، فالرواية لم تكتب ليُبدي القارئ فيها رأيه، بل ليقرأها فحسب!

والجدير بالذكر أن رواية برلين 69 تتشابه بشكل جليّ مع رواية “في الجزء الأصغر من شارع الشمس” للكاتب الألماني توماس بروسيج.

حمّل التطبيق

تحميل التطبيق

اترك تعليقاً

كتب صُنع الله إبراهيم

الرئيسية
حسابي
كتب
كُتاب
متجر