اثنتا عشرة قصة اصطحبنا من خلالها يوسف السباعي لحياة اثنتا عشر امرأة مختلفة، تأخذنا حبكتها نحو العالمية، لنرى أن المرأة وقود مشتعل لازما لسريان الحياة.
احصل علي نسخةقال السباعي في مقدمة اثنتا عشر امرأة الرائعة:
“قلبي إلى ما ضرني ساعي .. بكثر أحزاني وأوجاعي .. كيف احتراسي من عدوي اذا .. كان عدوي بين أضلاعي..
ذلك القلب الخافق بين الضلوع .. المترنح في الحنايا .. فأقول له:
آه لو خلا منك الصدر .. لاسترحت من طمعك ومن لهفتك .. ولملكت زمام نفسي وأضحى بيدي الأمر.. متى تهدأ وتستقر .. متى تطفأ غلتك ويشبع نهمك.. متى تشيخ ومتى يصيبك الوهن … فلا تعود تهفو كلما مر بك ثغر باسم أو عين ساحرة .. لقد كللت منك وما كللت أنت..
ويخيل إلي وأني أسمع بين الدقات والخفقات:لن تطفئ غلتي حتى يكف نبضي، وأكف عن الحياة.”
هذا ما قاله السباعي في مقدمة رائعته الأدبية اثنتا عشر امرأة متعجبًا من الآراء التي تنصفها وتصفها بأنها ملاك رحيم، أو تعاديها وتنعتها بأنها شيطان رجيم، مقتنعًا بأن المرأة ليست سوى وقود مشتعل لازما لسريان الحياة تختلف في صفاتها وطبائعها كما يختلف الوقود في خصائصه وتأثيره، فهناك وقود قادر على تحريك الآلات ودفعها وهناك وقود قادر على احتراق الآلات وتحطيمها، وكذلك المرأة هي وقود الحياة التي لديها القدرة على تحريك الآخرين أو تحطيمهم.
اثنتا عشر امرأة هي المؤلف الأدبي الثالث للسباعي والمجموعة القصصية الثانية له، كتبت في عام ١٩٤٨ ولم يحدد السباعي فيها الزمان ولا المكان إلا في قصته الأخيرة امرأة التي دعانا أن نتخيل أن القصة قد حدثت في الصين أو الهند، وكأنه كان لا يحتاج الى الزمان والمكان حين يتحدث عن تلك المخلوقة المحيرة التي لم تختلف خصائصها وطباعها عبر الزمان والمكان والتي تدعى المرأة.
اثنتا عشرة قصة متعددة لم يخبرنا الكاتب أن كانت من وحي الحياة أو من نسج خياله، ولكنه اصطحبنا لحياة اثنتا عشر امرأة مختلفة وكأنك تقرأ مع كل حكاية تلخيص لرواية طويلة ممتلئة بالأحداث والشخصيات، والتي قد تضع على أذهاننا أيضا بعض علامات الاستفهام والاستغراب،
فكيف يصف امرأة تزوجت مباشرة بعد وفاة زوجها بأنها امرأة صابرة كيف صبرت وعلى أي شيء كانت صابرة فقد تزوجت مباشرة بعد وفاة زوجها، أم أن هناك كواليس ماضية لحياتها لا نعلم عنها شيئا هي سر صبرها، وكيف يصف مطربة ثرية بأنها امرأة خاسرة وهي تملك المال والجمال والجاه والشهرة،
وكيف لامرأة نائمة ينعتها كل من حولها بالشذوذ والجنون وهي لا تفعل شيء سوى أنها تنعس وتحلم، وهل الحرمان من مشاعر الأحياء قد يدفعنا الى معاشرة الأموات أم كان ذلك مجرد شرود لامرأة محرومة.
متى تتحول المرأة الى رماد بعد ما كانت تتأجج بالنيران وتسطع بالضوء، وهل من الممكن أن تضحي المرأة من أجل حبها حتى تتحول الى أشباح وظلال لمجرد أنها عاشقة الذكريات، وهل الغيرة تشتعل في قلب الأنثى لتشمل حتى الأموات والأرواح، وهل كل امرأة ضالة وددت لو انشقت الأرض وابتلعتها، أم بطلة تلك القصة كانت مأساتها مختلفة.
ولماذا كان وصف إحدى بطلات قصصه بأنها امرأة ثكلى رغم تحقيق حلمها و زواجها من حبيب عمرها وتوأم روحها، وكيف للراقصة أن تكون امرأة شريفة فهل يعرف الشرف بأنه عري الأبدان والأجساد، أم أنه عري المبادئ والقيم، وكيف للأموات أن يهبا الحياة لأحبائهم بعد رحيلهم كما حكى لنا يوسف السباعي في قصة امرأة غفور وماذا ستختار المرأة زوجها أم عشيقها، المال أم الحب حين يضعها القدر بين شقي الرحى.
اثنتا عشر امرأة هي اثنتا عشرة قصة قد تأخذنا حبكتها نحو العالمية، لتشعرك وأنت تقرأها أنك تقرأ كتاب نبدع لكاتب مختلف، اختلف في ابداعه ونسج خياله وقدم للمكتبة العربية مؤلف من أفضل المجموعات القصصية إلى الحد الذي وصفها بها الناقد الكبير محمد مندور بأنها: أروع روائع يوسف السباعي.
ها أنا أدخل عالم يوسف السباعي بهذا الكتاب، وإن كان دخولي متأخرًا قليلا إلا أنني فتحت بابًا لن أقفله إلا بإتمامي لمجموعة أعماله المميزة .. لغة الكاتب قوية ومميزة وأسلوبه بات نادرًا اليوم في الكتابات العربية الحديثة .. أما بالنسبة للمحتوى، فقد برع في تسطير حالات النساء الاثنتا عشر وقدم مادة دسمة تطل علينا من الواقع المعاش .. وخلاصة ما استفدته منها يُختصر في الآتي :
– – – امرأة صابرة
تثبت هذه القصة أن للحقيقة الكاملة وجه وحيد يحتفظ به أصحابه فقط، وأن ما يدهشنا ويثير حيرتنا قد يكون نتيجة حتمية ومبررة للتراكمات التي عانوا منها .. بالنسبة للسؤال المطروح آخر القصة عما إذا كانت امرأة صابرة أو متعجلة، فالحق يقال أن الحب نفسه هو الصابر، فكلما كان حقيقيًا كلما ظل ثابتًا لا تبدله السنين، وصديقها أيضًا هو الصابر إيمانًا منه بما يجمعهما وثقة منه فيها ؛ هي التي تركته دون سببٍ أو تفسيرٍ واضحٍ ..
– – – امرأة خاسرة
تثبت هذه القصة أن لا لعبة مع القدر، فهو واضع الأحكام ومسطر القواعد .. وإن لم يكن للمرء نصيب من شيء ما، فستتحد الظروف وكأنها جيشٌ كامل من أجل أن تحول دون الوصول إليه، وإن هي أذاقتك لذة الانتصار في احدى الجولات فاعلم أنها مجرد اكسير حياة ؛ وَهمٌ اختلقته لتزيد من حِدّة ما ستلقاه لاحقًا – في الجولات القادمة – من صفعات ..
– – – امرأة نائمة
تثبت هذه القصة أن الحياة، وبقدر ما تهبنا من نعم، فهي قاسية أحيانًا ولا تمنح فرصة ثانية. لهذا، على المرء أن يعي جيدًا قيمة ما يملكه قبل فوات الأوان وقبل أن تتحول الأحلام إلى كوابيس تطارده في واقعه !
– – – امرأة محرومة
تثبت هذه القصة أن الجنون قد يقدم للبعض ما لم يمنحهم التعقل، وأن عالم الخيال الواسع – حيث يباح كل شيء – قد يصبح ملجأ الكثيرين للهروب من الواقع الضيق ..
– – – امرأة.. ورماد
تثبت هذه القصة أنه ولابد للتضحية من ثمن، وقد كان الثمن هنا باهضًا للطرفين، فلا هو استطعم نتيجة تخليه عن التضحية، ولا هي لامست نتيجة مرضية لتمسكها بها ..
– – – امرأة وظلال
تثبت هذه القصة أن الظلال مكان قد يختاره الكثيرون، إذ يسري على المرأة هنا قول درويش ؛ لا عرش لي إلا الهوامش ! فلا مكان لها إلا في الظلال، ليس لأنها تهواها، بل إن سجن ذكرياتها هو أنسب مكان تقطن فيه تحقيقًا للعدالة وتحملًا لما اقترفته من حب مستحيل ..
– – – امرأة غيري
تثبت هذه القصة أن الغيرة مرض يجتر كل أخضر ويابس، وأن وساوسه قد تكون أشد من وساوس الشيطان نفسه .. وإن غاب الرضا هدّت الحياة بكل ما قد بنيته ..
– – – امرأة ضالة
تثبت هذه القصة أن التمرد ليس حرية، والتساوي مع الرجل ليس عدلًا .. فهنا، لم تحب السيدة زوجًا أو رجلًا، بل أحبت الحب، وأحبت نفسها المحبة، المطلوبة، محط الاهتمام ومركز الزجل .. وهذا خطأ، خطأ قد يكلفها حياتها وفقدان كل من أحبها بصدق ..
– – – امرأة ثكلى
تثبت هذه القصة أن الحياة مليئة بالمفاجآة، وأن فصولها تتعاقب كتعاقب فصول السنة، فلابد للربيع أن تنقلب نسماته إلى رعد وبرق، ولابد للمطر أن يُتبع بقوس قزح مع انقشاع الشمس .. هذه حقًا هي الحياة…
– – – امرأة شريفة
تثبت هذه القصة أن الظروف قد تزج بنا في زنازن القدر بطريقة موحشة، وتوهمنا أنه اختيارنا الذي علينا تحمل تبعاته .. غير أننا في الحقيقة لم يكن لنا حول ولا قوة، سوى الانصياع خجلًا لأوامرها وفروضها ..
– – – امرأة غفور
تثبت هذه القصة أن أقسى عقاب هو تأنيب الضمير والخوف من القادم المجهول، وإن اجتمع الأثنان فلابد للجنون أن يكون ثالثهما ..
• الغريب في هذه القصة أنها نقلت عن صاحبها وليس صاحبتها، ولربما للأمر داعٍ حتى تُروى من زاوية مؤنبة للضمير مبرزة للكثير من التفاصيل .. وإن كنت أجزم أن المرأة إن روتها لكنا استمتعنا بنسخة مختلفة ..
– – – امرأة…
تثبت هذه القصة أن… لا أجد حقيقة ما أقول وأي مغزى استنبط، أتراه يريد أن يثبت أن المرأة أنانية الطبع أم أن الرجل ماكر الحيلة ؟! أتراه دائما ما يسبقها خطوة إلى الأمام ؟! .. حسنًا، لن أسيء نيتي، ولن أستنبط أي مغزى !