رواية إجتماعية تدور أحداثها في حي " الحسينية " بمصر القديمة وتتعمق في حياة سكانه واختلاف طبائعهم التي جمعت بين الوفاء وحسن الجيرة و إخلاص الصداقة والجدعنة .. و البلطجة والعنف أيضًا
احصل علي نسخةالموت. الفصل الأخير للحياة. الحقيقة الثابتة في الكون. النهاية الطبيعية لكافة المخلوقات. فلم يخلد مخلوق على الأرض منذ نشأتها. فما هو الغريب في أن السقا مات ؟ ذلك الرجل الفقير صاحب تلك المهنة البسيطة وهي توصيل المياه لطالبيها، فهو ليس محاربًا أو قائدًا أو طاغيا تستدعي سيرة حياته أن يحكها لنا السباعي في إحدى روايته، تلك الرواية التي احتلت المرتبة الثانية والستون ضمن قائمة اتحاد الكتاب العرب لأفضل مائة رواية عام ٢٠٠١، بل هي الرواية الوحيدة من أعماله التي احتلت تلك المكانة الأدبية المتميزة ..
هي رواية تتسم كلماتها برشاقة الألفاظ، ويتميز أسلوب الحوار بها بالبساطة وكُتب معظمه باللغة العامية، تتسم حبكتها بالوضوح، وتتوالى أحداثها في سلاسة ويسر.. ولكنها قوية المغزى، كثيفة الوصف، رمزية المعنى، عميقة الفلسفة.. فكيف كل من بطلا الرواية الذي كان أحداهما يخاف الموت ويهابه ويهرب منه ويراه عدوه اللدود ، والآخر الذي كان يعيشه ويمتهن خطاه و يعتبره صديقه الحميم أضحت فلسفتهما عن الموت واحدة…
تبدأ أحداث الرواية في عام ١٩٢١ وتنتهي في عام ١٩٥١ بعد بلوغ البطل سن التاسع و الثلاثون ولأول مرة في تاريخ السباعي يكون أحد الأبطال الثلاثة لروايته طفل في سن التاسعة اصطحبنا خلال صفحاتها إلى الكتاب والمولد ولعب البلي والنحلة والحياة البسيطة التي كان يعيشها الأطفال في تلك الحقبة الزمنية، وتدور أحداث الرواية في حي الحسينية بمصر القديمة حيث وصف لنا السباعي الدروب والحارات والأزقة وصفًا دقيقًا وتحدث عن سكانها واختلاف طبائعهم التي جمعت بين الوفاء وحسن الجيرة و إخلاص الصداقة والجدعنة .. و البلطجة والعنف أيضًا ..
رواية السقا مات صدرت عام ١٩٥٢ وهي المؤلف الأدبي العشرون للسباعي، والرواية الخامسة له وقد حولها المخرج صلاح أبو سيف إلى فيلم سينمائي في ١٩٧٧ استطاع أن يحصد المركز الحادي والثلاثين ضمن قائمة أفضل مائة فيلم مصري في عام ١٩٩٦ وقد صنفها النقاد أنها أفضل رواية له وبالرغم إنها رواية اجتماعية إلا أنها تضمنت قصة رومانسية نشأت بين حبيبين حول شجرة التمر حنة، حبيبة ضحت بعملها ومصدر رزقها الوحيد من أجل أن تنقذ حبيبها من المرض وامتهنت من أجله مهنة الرجال، وحين أضحت زوجته لم تبخل عليه بحياتها من أجل أن تمنحه طفلا، فامتنع عن الزواج بعد رحيلها عائشًا على ذكرى هواها وعشقها ومكرسًا حياته لإسعاد ولدهما وأمها.
تختلف أحداث الرواية عن الفيلم، فحين تقرأها ستتعرف على سارق الجوافة الذي كان مؤمنا بسياسة روبين هود وكيف أنقذ شوشة، شحاتة الذي أصبح جاره فيما بعد من قبضة زمزم، وما هي المعركة التي دارت بين الطفل سيد وصديقه علي في درب القط وما السبب في أن سيد أصبح مطرود من الجنة وماذا صنع بعد ذلك في الكتاب، وفي المولد أيضا، وماذا قال شحاتة لشوشة على قهوة الأفندية جعله ينفر ويتشاءم منه ويهم بطرده من منزله، وأي منهما كان قتيل الهوى الذي كرس حياته لذكرى زوجته، أو من كان لاهثًا وراء متاع الدنيا، ومن هي أم آمنة ولماذا ذهب نور عينيها ،ولماذا ظل سيد محتفظا بورقة عم شحاتة بعد وفاته التي كتب فيها والصابرين في البأساء.
لقد كان السباعي الميت الحي، الذي يشتم رائحة الموت في كل لحظة من لحظات حياته كأنه ولي حميم، ربما لأنه قتل شهيدًا، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، فطالما ما تحدث عن الموت في معظم أعماله وبالأخص تلك الرواية قائلا :-
” ان وجه الأرض متغير، وان مركبات هذا الوجه من مختلف الكائنات محدود وجودها بفترة معينة لها بداية ونهاية، وابن آدم لا يزيد عن أن يكون أحد مركبات وجه الأرض … ولكن ابن آدم مغرور يكره أن يقارن نفسه بأي مخلوق من المخلوقات ذوات البقاء المحدود، وهو بذلك يكره الموت ، ويأبى قبوله كنهاية محتمة ..”
أبوك السقا مات .. بيمشي في الجنازات .. ويوصل الأموات
هنا رواية من أروع ما كتب يوسف السباعي هنا واحدة من أفضل مائة رواية في تاريخ الأدب العربي
أنت أمام كاتب ذو موهبة حقيقة ذو خيال ثري وأسلوب مميز وأفكار عميقة
ادخلك طوال صفحات الرواية إلي حارة عشت فيها وعشت مع شخصياتها تأثرت بدرب السماكين شاركت تقاليدها وأخلاق ناسها .. تجولت مع المعلم شوشة عند استيقاظه في الصباح ليقوم بمهام السقا وتعرفت علي ابنه سيد الفتي كثير الجدال خفيف الظل وضحكت معه
هي قصة حياة السقا الذي فقد زوجته وتاثر كثيرا بكونها فعاش حياته لابنه
طرح السباعي علي لسان أبطاله تساؤلات فلسفية في الحياة والموت والخير والشر لينسج رواية ذات جودة فنية عالية
مليئة بالمشاعر من الضحك للبكاء
تدور أحداث رواية “السقا مات” في بداية القرن العشرين تحديداً عام 1921 في حي الحُسينية.
وينقلنا الكاتب “يوسف السباعي” بخفة وروعة إلى تفاصيل هذه الحقبة وشخصياتها ومُلحقاتها الفريدة من نوعها.
ونستطيع أن نرى الرواية من أعين 3 من الشخصيات وهم: “شوشة” وابنه “سيد” و “شحاتة أفندي”.
ونبدأ بـ”شحاتة أفندي”:
ليس له علاقة بـ”الأفندية” من قريب أو بعيد فهو لا يملك قوت يومه وأكله ومسكنه.. ويشتغل “لفندي” وهو عُبارة عن شخص يتصدر الجنازات ويتمتم بكلمات عن الصبر وأن الدُنيا فانية ثم يتلقى عن ذلك بعض الملاليم. ورغم أنه يرى الموت كُل يوم أكثر من مرة فلا يخافه ولا يعتبر وأعتقد أن “جتته” نحست حتى أنقذه المعلم “شوشة” في مسمط الحاجة “زمزم” وذلك جعله يفوق من غفوته قليلاً ولكن سرعان ما أتجه إلى نقطة ضعفه وهي النساء.. حتى عجلت بأجله.
ثم نآتي إلى الطفل “سيد”:
هو في أول الأمر وآخره هو طفل يُريد أن يلعب بالبلي مع أصدقائه ويأكل ويرى والده سعيد.. ولكن له بعض الآراء السابقة لسنه حول السرقة والموت.. عندما وجد أباه يتبع خطوات “شحاتة أفندي” ويتصدر الجنازات لم يرضى بذلك وأعتبر ذلك نذير شؤم. هو طفل يكره الصابون والاستحمام والموت ويحب الأكل والبلي.
ولكن غلطته الوحيدة -لو أعتبرناها غلطة بالنسبة لطفل- هي عدم الصبر والجشع أحياناً يُريد أن يأكل مرتين أو أكثر لا مشكلة عنده في ذلك.. لا يرضى بحاله أبداً. فكيف تحول ذلك الصبي الذي لا ينفك يندب حاله وحظه أن يكون راضي مستقر البال؟
ثم بطل الرواية وصاحب المعضلة الأكبر “شوشة:
شوشة هو سقا يعيش راضي بنصيبه حتى جاءه الحُب.. وقع في غرام “آمنة” تلك الفتاة الجميلة التي تعمل في السرايا مع الخدم ويراها هُناك. وتوصيه بشجرة التمر حنة.. الشجرة التي أنبتت حُب متبادل بينهم. وسرعان ما تزوجوا وكان سعيداً عن رزقهم الله بـ”سيد” ولكنه في نفس الوقت رحلت “آمنة” لتترك سيد وشوشة ووالدتها.. ومنذ ذلك الوقت و”شوشة” يكره الموت وكُل ما له علاقة به.. ولما وجد “شحاتة أفندي” الذي أرتاح له وأحبه كثيراً يعمل في الجنازات أرتعب منه وأعتبره نذير شؤم حتى وجه له “شحاتة أفندي” حوار طويل رائع حول الموت في الفصل السابع من أفضل الحوارات التي قرآتها في حياتي.
شوشة الذي أعترف بضعفه في آخر فصول الرواية لابنه وأخبره بقصة حُبه لـ”آمنة” وما تلى ذلك من أحداث.. ليرد عليه ابنه بأنه لا يُريده أن يرحل حتى لو شوشة مُستعد.. فـ”سيد” غير مُستعد أن يفقد والده بعد. ولكن للقدر وإرادة الله رآي آخر.
“وأضحى سيد رجلًا وتزوج وأنجب ولدًا وفي كل صباح يحمل صبيه القربة القربة الصغيرة ليسقي الشجرة العزيزة .. لتزيد إيناعًا وخضرة .. بين قفر يباب كأنها واحة للتذكر والوفاء في صحارى النسيان والقطيعة والإهمال.”
كانت تلك خاتمة الرواية التي أعدها من روائع يوسف السباعي التي جسد فيها حكمته وفلسفته في الموت باعتباره لا مفر منه بل هو النهاية الطبيعية المحتومة لكل بشر وكل شيء على وجه الأرض يتساوى فيه الكبير والصغير والعظيم والحقير بل وأيضًا يتساوى فيه الإنسان نفسه مع غيره من أحقر الكائنات التي يتعظم عليها فيقول على لسان أحد الشخصيات .. الموت نهاية طبيعية لأناس غير طبيعيين .. فهو بمنطقه ونظرته هذه لا يجد أي سبب يهاب الناس من أجله الموت بل إن الإنسان إذا عرف حقيقة الموت هان عليه وهانت عليه قبله الحياة.
في هذا الفلك تدور رواية السقا مات والتي كشفت عن جانب جديد في عبقرية وتفرد يوسف السباعي كأديب وحكمته وفلسفته ككاتب ما جعلني لا أتمالك نفسي أثناء القراءة ولا أجدني إلا وقد انغمست بين كلماته كليًا ووجدانيًا وأطبق عليّ سحر ألفاظه وتعبيراته فلا أفيق إلا على اهتزاز نفسي وأعماقي رثاءً ومواساةً لمحزنة أحدهم والدمع يكاد يفر من مآقيي ..
هكذا كان انطباعي عن رواية السقا مات ليوسف السباعي ولا أظن أن كتابتي هذه قد عبرت عن كل أثر وانطباع تركته الرواية في نفسي عن أهل مصر وإخلاصهم وأخلاقهم وعن كل إعجاب تركه السباعي في نفسي بسحر تعبيراته وتصويراته.