رواية تحكي عن قصة عشق بين الحبيبين انجي و علي اللذان جمعهما الهوى، كما نرى من خلال أحداثها جزء هام من تاريخ مصر.
احصل علي نسخة“نستطيع أن نسمو بمشاعرنا ومطالبنا عن الواقع الملموس، وأن يظل ما بيننا متصلا، رغم تلك الموانع والسدود، لا تقلل منه قطيعة ولا بعد، ولا يعتريه أي تغيير مادي يمكن أن يقوم بيننا .. وأن تستمد سعادتنا من إيمان كل منا بالآخر إيمانًا لا يتزعزع ولا يهن .. وأن يبقى كل منا للآخر حتى الموت .. أحبك .. أحبك .. أحبك بكل ما في من أنفاس تتردد”.
هكذا سطرت انجي بطلة رواية رد قلبي خطابها الى حبيبها علي على لسان السباعي وكأنه يريد أن تسرد لنا معاني الهوى وشغف العشق ومتاع الروح حين تلقى توأمها في الحياة الدنيا، فبالرغم من أن الرواية تؤرخ أحداث سياسية هامة إلا أنها صُبغت بأسلوب رومانسي حالم وكلمات عذبة تدفعك لقراءتها عشرات المرات حتى وإن سبق لك مشاهدتها على الشاشة.
كتب السباعي أربعة روايات فقط تتكون من جزأين كان أولها رد قلبي ١٩٥٤، تلتها نادية ١٩٦٠، ثم جفت الدموع ١٩٦١، وأخيرًا نحن لا نزرع الشوك ١٩٦٩.
وبالرغم من أن رد قلبي هي المؤلف الأدبي الحادي والثلاثون للسباعي، والرواية السابعة له وأن غلب عليها الطابع الرومانسي مثل معظم أعماله حيث تروي قصة عشق بين حبيبين جمعهما الهوى إلا أنها كانت الرواية الأولى له التي تروي جزء هام من تاريخ مصر.
حيث تبدأ الرواية في الثلاثينات وتنتهي في عام ١٩٥٣ وهي تؤرخ الفترة الأخيرة من الاستعمار الإنجليزي وأحداث الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩- ١٩٤٥ وأثرها على مصر، وحرب ١٩٤٨ في فلسطين وسقوطها في يد الصهاينة، وحريق القاهرة ٢٦ يناير ١٩٥٢و ثورة ٢٣ يوليو في نفس العام، استطاع السباعي أن يسرد تفاصيل عديدة عن تلك الأحداث الهامة في تلك الرواية مما دفع نجيب محفوظ أن يطلق على السباعي منذ صدورها جبرتي العصر، وقد أهداها السباعي الى سلاح الفرسان.
وبالرغم من أن المخرج عزالدين ذو الفقار حول الرواية إلى فيلم سينمائي عام ١٩٥٧ صنف من أفضل مائة فيلم طبقًا لتصنيف النقاد في عام ١٩٩٦ واحتل المرتبة الثالثة عشر، وحولها المخرج عادل جلال إلى مسلسل إذاعي، وأيضا حولها المخرج أحمد توفيق الى مسلسل تلفزيوني في عام ١٩٩٨ سيناريو وحوار مصطفى محرم إلا أن حينما تقرأ الرواية تستمع بأحداث مختلفة وأسلوب عذب..
تدور أحداث الرواية في مصر حيث نشأ البطل في المنصورية إحدى قرى محافظة الجيزة واصطحبني خلال ما يقرب من ربع قرن بين عدة محافظات هم الإسكندرية وسيوة والواحات البحرية ليروي لنا قصة حب بدأت معه في الخامسة عشر من عمره ولم يمحها الزمان ولم يغير معالمها تغيير الأماكن.
قصة حب نشأت بين علي أحد الضباط الأحرار وقائد من قواد الثورة وبين الأميرة إنجي أحد أبناء أمراء العائلة المالكة التي قامت ضدهم الثورة، كيف جمع الحب بين خصمين، وكيف نشأت قصة حبهما منذ الطفولة واستمرت رغم افتراقهما، ومن هو حسين ومن هي بهية وكيف جمعهما حب صامت لم يشعر به حسين إلا حينما أحس أنه سيفقدها، ولماذا طرد الأمير اسماعيل الريس، عبد الواحد من عمله وأراد أن يضعه في مستشفى المجانين.
وهل شهد الريس عبد الواحد ثورة ٥٢ أم هزمه المرض قبل حدوثها، ومن هو الضابط سليمان وكيف ساعد علي في حل مشكلته، ومن هي زنوبة أو كريمة الولد ولماذا أطلق عليها لقب الولد بالرغم أنها فاتنة الأنوثة، وما علاقة ما قامت بحرقه بحريق القاهرة ؟
عام كامل قضاه السباعي ليكتب رائعته التي خلدها الأدب والشاشة الذهبية والفضية والمذياع. سرد فيها أدق تفاصيل أحداث ما قبل الثورة حتى قال عنها في مقدمتها
” .. لقد بدأت كتابتها في أول هذا العام ” ١٩٥٤ “وختمتها في آخره .. أستطيع أن أجزم أني لم أنقطع عن التفكير فيها لحظة واحدة .. وانها ألحت على ذهني الحاحا، دفعها الى أن تشاركني حياتي .. ودفعني الى أن أشاركها حياتها ..”
قد يكون من حسن حظى انى لم أشاهد الا مشاهد قليلة من فيلم رد قلبى” حتى يتسنى لى قراءة الرواية بلهفة
قصة حب “انجى و على” هى موضوع الرواية
على ابن جناينى الأمير اسماعيل, أحد أفراد عائلة محمد على. و لك أن تتخيل عزيزى القارىء مدى الترفه و النعيم الذى كانت تعيشه هذة العائلة فى تلك الحقبة. فكان نتيجة طبيعية ظهور شخصيات عنيفة و متعجرفة مثل “علاء” شقيق انجى و والده الأمير اسماعيل.على النقيض تماما تعيش أسرة عبد الواحد المكونة من أب و أم و شابين هما “على” و “حسين”. منذ نعومة أظافره و الحب مهيمن على قلب على. فى بداية ظهور عائلة عبد الواحد, ندرك مدى اتساع الهوة بين العائلتين, و هى احدى مظاهر الملكية الشائعة فى مصر فى ذلك الوقت. قصة الحب لم تحرك مشاعرى, لم أتفاعل معها. ربما لكونها طفولية بعض الشىء, ربما لما غلب عليها من رتابة. يوجد هناك تشابه كبير فى ملامح حب البطلين فى هذة الرواية و بطلى رواية ” بين الأطلال” الأندفاع فى الحب دون اعتبار أى قيود أو عوائق
منذ منتصف الرواية تقريبا, ركز الكاتب على تناول الأحداث السياسية . فى وصف سريع يطلعك الكاتب على استعدادات ما قبل الحرب العالمية الأولى و تأخر دخول مصر الحرب لتأخر اعلان ايطاليا الحرب. و تتابع الوزارات و عجزها عن حل مختلف المشكلات و بين تلك الأحداث, نلاحظ عداء الكاتب لحزب الوفد, متهما اياه بانه موال للقصر, و انه اتفق مع الانجليز على أحداث 1942. أسهب الكاتب فى وصف انغماس البلاد فى الانحدار و تفشى الفساد. و كيف تم تضليل الملك بتأليهه عن رؤية حقيقة الوضع.دأب الكاتب على ذكر عوامل قيام الثورة منذ صفحات الرواية الاولى حتى نهايتها. يستكمل الكاتب قص الأحداث السياسية بذكر أزمة حرب 1948
“وانقضت المرحلة الأستعراضية الأولى.. و تناثرت القوات المصرية بحالتها التى وصفها على لسليمان فى أراضى فلسطين..بلا تدريب و لا أسلحة و لا ذخائر.. و لم يكن هناك من سبيل الى امدادها بالأسلحة و الذخائر بعد الحظر الذى فرض عليها.. و انطلق سماسرة الأسلحة و الذخائر يجمعونها من البقايا و المخلفات المبعثرة فى الصحارى, و من الأسواق السوداء فى أوروبا, و كانت الحاجة ملحة عاجلة, و كان لابد من رفع القيود المالية المفروضة على وسائل الشراء.. فقد كانت السرعة و الضرورة تطغيان على الممارسة و التخير فى الاسعار و الاصناف, و تركل كل وسائل الثراء الحكومىة ببطئها المأمون.. و كان الهدف الأول هو اعطاء القوات التى تكاد تهلك ظما الى الأسلحة و الذخائر ما يلزمها بأى و ايه وسيلة, و فتح هذا الباب طريق العبث لأصحاب النفوذ الضعيفة.. و أصبح لمعركة فلسطين وجهان: وجه يقطر دما و مرارة و سخطا, وجه وجه يقطر مالا و رضاء و نعيما و انتهت المعركة بالهزيمة كنتيجة حتمية لاندفاع طائش لا يستند على أسس”
يقص الكاتب روايته من زواية و منظور الجيش كأنعكاس طبيعى للشعب. يرى الكاتب ان الجيش كان محاصر من غضب الشعب, خاصة مع قرب انتهاء حكم فاروق باعتباره جيش الحفلات و القمار و الخمر و محاصر من جهة أخرى من الحكومة التى ورطت الجيش فى هذا الوضع. ثم يصف الكاتب مدى الفخامة و الابهة الذى كان يعيش فيه الملك مقارنة بفقراء شعبه. أبدع الكاتب فى ربط وجه التشابه بيبن على و انجى كأميرة و هو ابن جناينى من ناحية و بين الملك و حال بقية الشعب من جهة أخرى. كم كان صعب التقاء الطرفين. مر الكاتب بقص أحداث حريق القاهرة ثم عزل الملك و تحديد الملكية, حيث تم عقاب الخائن و تكريم الأصيل
الرواية أقرب لملحمة, لقصة من قصص ألف ليلة و ليلة بكثرة الصدف “المبالغ فيها”. أسلوب الكاتب رائع و الفكرة أكثر من رائعة و لم ينل تنفيذ الرواية هذا القدر الكبير. يؤخذ على الكاتب التطويل الشديد فى الأحداث
أعتقد الكاتب ان سبب كل السلبيات الموجودة فى مصر بسبب الملكية, كان هذا جزئيا صحيح بلاشك. منذ عام 1952, شهدت مصر ثلاث ثورات و حكم مصر فصائل متعددة و متنوعة. زاد الفساد و الظلم زيادة ملحوظة. أظننا نحتاج ثورة على كل شىء و لنبدأ بانفسنا
انتهيت من مغامرة جديدة مع يوسف السباعي عشتها ثلاث مرات بثلاث طرق مختلفة وأعني مشاهدتي للرواية مسلسلًا وفيلمًا وأخيرًا قراءتي لها وقد جاهدت في الحصول عليها بعد أن زاد تشوقي لها بعد مشاهدتي لها فلم تزدني المشاهدة إلا شوقًا لقراءة كلمات وتعبيرات وأسلوب يوسف السباعي الذي لا شك سيكون ساحرًا في صياغة مثل هذه المشاعر الراقية السامية – على الماديات جميعها – التي جمعت بين قلبين من أرق القلوب دون اعتبار لأصلهما ولا مستواهما المادي بل كانت الإنسانية والرحمة وحساسية ورهافة المشاعر هي كل ما اعتبراه فكانت حياتهما كأنهما يعيشان في عالم ليس عالمهما والقيود من حولهم والحواجز بينهم تقام يومًا بعد يوم حتى إذا ما بلغت ذروتها انهارت مرة واحدة واجتمع القلبان على الحب والوفاء مرة أخرى أبدية.
كان أكثر ما لفت انتباهي وإعجابي في هذه الرواية هي براعة يوسف السباعي ودقته في اختيار العناوين لفصول الرواية فقد كانت مثيرة وبليغة لتقف أمامها تسائل نفسك ما القصة التي وراءها؟ وما مدلولها؟ وأي معنى تحمل يا ترى؟ أهو معنى حقيقي أم معنى مجازي دفين بين سطور هذا الفصل؟ وتندفع بعد ذلك في قراءة الفصل وفي عينيك نهم تلتهم السطور بعقلك وقلبك معًا حتى تصل لمدلول الكلمة عنوان الفصل في نهايته فترتسم على شفتيك ابتسامة تنم عن الإعجاب بمدى براعة الكاتب.
صور يوسف السباعي في روايته تلك قصصًا اجتماعية تناولت واقع مصر في نهاية الفترة الملكية وعلى الرغم من شدة تلك الأيام وصعوبة الحياة فيها إلا أن العلاقات الأسرية كانت أشد وأوثق ارتباطًا. ففي أسرة الجنايني عبد الواحد وضع السباعي أسس التربية السليمة للأبناء في جمل ضمنية على لسان عبد الواحد لأحد أبنائه أو لنفسه وكانت النتيجة واضحة في كلا بنيه اللذان ارتبطا ببعضهما ارتباطًا وثيقًا رغم الاختلاف البيّن بينهما فكانت العين تدمع من كلمات الترحاب ومظاهر الفرح التي يحيط بها الأبوان ابناهما عند رجوعهما من المدرسة الحربية والبوليس وكأنك تعيش المشهد وترى الدموع المترقرقة في عيونهما فتصاب بعدوى الفرحة منهما وتترقرق الدموع في عينيك أيضًا!!
وعلى تلك الخلفية الاجتماعية والرومانسية كان المشهد السياسي والذي كان هو أساس الرواية فكان في هذه المرة بمثابة وثائق تاريخية مهمة موثقة من أحد الضباط حيث قدم وصفًا كاملًا ودقيقًا لكل التفاصيل وذكر الأسماء بدقة ووضوح مما أكد على مصداقية جميع الأحداث السياسية سواء المتعلقة بالملك أو الضباط أو الأحزاب السياسية أو الشعب المصري.