فيرتيجو

أحمد مراد

صدفة بحتة جعلت مُصوّرَ الأفراح الشاب أحمد كمال يلتقط صورًا لمعركة دموية بين كبار رجال الأعمال في مصر في بار ڨيرتيجو الشهير والذي يرتاده صفوة المجتمع، فيتحوّل المكانُ في ثوانٍ إلى بركة من الدماء والجثث

احصل علي نسخة

نبذة عن فيرتيجو

فيرتيجو، عندما تكتب عن أول عمل أدبي لكاتب صدرت له الآن سبعة روايات، جميعها تربع على قمة الأعلى مبيعاً، تحول بعضها لأعمال فنية وتُرجمت إلى لغات عديدة، هاجمها من هاجمها ورأى البعض فيها جموحاً وغرابة وكسراً لبعض الثوابت إلا أنها جذبت قارئيها وجعلتهم أكثر شغفاً بذلك التفرد الذي يمنحهم إياه فقط كاتبها،

فإنك غالباً تكون في حالة تشبه الإرهاص والتنقل بين الأزمنة لأنك ستكتشف حتماً لماذا أن هذا الكاتب الجديد وقتئذٍ حقق فارقاً أدبياً مميزاً وكيف أن ما تقرأه له الآن وهو في نقطة فارقة من النضج والزهو الأدبي كان لابد أن يكون هو التطور المنطقي لتلك البداية المختلفة والجديدة كلياً.

عندما بدأ أحمد مراد الكتابة في العام ٢٠٠٧، بدأها من منطقة تحدٍ. تحدٍ لنسخة أحمد مراد التي تشعر أن هناك ثمة بُعد أوسع لتجربته الحياتية كما صرّح في لقاءات معه أنه بعد حياة عملية مستقرة عقبت تخرجه في معهد السينما وعمله كمصور رئاسي لمدة خمس سنوات قد سأل نفسه: “إيه اللي جاي؟” ومن الجيد أنه سأل!

كانت الأوضاع في تلك الفترة الزمنية راكدة وكان ثمة بركان يغلي تحت قشرة مفتعلة من الرضا بالأوضاع والأحداث سياسياً واجتماعياً وحتى أدبياً ولهذا كان لابد أن تأتي فيرتيجو.

كان صدور فيرتيحو مغامرة على كل المستويات. من يستطيع أن يُعرّي الفساد النظامي والسياسي والمجتمعي في تلك الفترة المُحتقنة خاصةً وهو يتواجد في عُقر دار النظام؟ ومن يجرؤ على تحريك المياة الراكدة في الوسط الأدبي الذي يكتفي بما فيه ومن فيه من أعمال لا تخالف المألوف ويضخّ فيها دماً جديداً؟

من يستطيع تغيير شكل الرواية والتنبؤ بما سيحدث لاحقاً في غضون سنوات قليلة من وجوب ثورة شعبية على الأوضاع المقيتة المُستفحلة فتحدث ثورة يناير بعد مرور أربعة أعوام فقط من صدور الرواية؟

رواية فيرتيجو التي تحركها الجريمة وتحبس أنفاس القارئ لتكشف أبعاد أكثر عمقاً عن بطش يد الحاكم وفتكه بمن قد يزاحمه سياسياً أو تسوّل له نفسه أن تمتد يده لمشاركة قطعة من كعكة الاستحواذ على المال والأعمال. الناس المهمشين، عبيد المأمور والباحثين عن لقمة العيش، أصحاب الكلمة والنفوذ الملوثة أيديهم بالدماء والفساد السياسي والأخلاقي،

مرتزقي الدعوة الدينية والعرائس الخشبية التي يحركها النظام الفاسد ويُمسك بكل خيوطها الشفافة بإحكام لإلهاء شعب مقهور فكرياً وسياسياً ومجتمعياً عن كل ما يحدث ويتركه يركض في سباق محموم مع صراعات يومية لا تنتهي حتى لا تتفتح عيناه على الحقيقة.

أحمد كمال بطل رواية فيرتيجو مُصوّر شاب يشهد في مصادفة مُرعبة مذبحة دامية تتخلص فيها آلة النظام الباطشة ممن يهدد استمرار فسادها. تبادل اطلاق نار يُحوّل بار “فيرتيحو” بفندق “جراند حياة” الشهير على نيل القاهرة إلى بركة من الدماء بينما يقبع المصور الشاب في شرفة البار متشبثاً بكاميرته وملتقطاً للصور في حالة هيستيرية.

المصور الشاب هو الإنسان البسيط العادي، كادح من أجل لقمة العيش وما يلاقيه في سبيل ذلك من إهانة الكرامة. الكاميرا سلاحه الوحيد في مواجهة تلك الغابة المجنونة من العُهر والفساد والظُلم المجتمعي والنظامي لكن رحلة كشف المستور عن رموز الفساد ليست سهلة وهو يحاول بكل وسيلة ممكنة.

الفاسدون في كل مكان في المناصب القيادية، في مجالس الصحف، في رجال الأعمال و”حيتانه” الذين يمتصون دماء الشعب البسيط ويسرقون أقواتهم ويسممونهم بالأطعمة الفاسدة وصفقات الأسلحة المشبوهة و..و..

استطاع أحمد مراد ببراعة أن يرمز للكثير من رؤؤس الأفاعي الفاسدة في المجتمع آنذاك فيستطيع القارئ أن يفهم إلى من يُشير وكيف يُعرّي ما آلت إليه الأوضاع من عبثية.

“محيي ذنون، هذا الرأس الذي أصبح من ثوابت القمة، مثله مثل كوبري قصر النيل وتماثيله ووسط البلد وميادينها، فهو لا يتذكر زمن لظهور ذلك الرجل، كأنه موجود قبل بداية كل شيء فقد تكون هناك رسومات على جدران معابد الفراعنة تحمل اسمه.”

هكذا كان الفساد متمكن ومتأصل، ضارب بجذور عميقة في قلب المجتمع المصري، رجاله من الثوابت التي لا تتغير، تتمسك بكراسيها ومواقعها في كل مكان. لا دماء جديدة ولا وجوه جديدة. فقط ديكتاتورية وقمع وفساد.

وكلما توغل المصور الشاب في رحلته للكشف عن الفساد، ارتطم برمز جديد، لكل منه فساده الخاص في الموقع الذي يشغله جلال مرسي، فتحي العسال، أيمن وصفي , هشام فتحي ،عادل نصار، صفوان البحيري وغيرهم من شخصيات حاكها أحمد مراد ببراعة وشجاعة كبيرة تجعل القارئ يرى نصب عينيه انعكاس حقيقي لكل تلك الوجوه القبيحة التي كانت تتصدر المشهد المصري آنذاك ولم يجرؤ أحد على التعرض لها من قبل.

وبينما يعثو الأباطرة فساداً في الأرض، فإن الشعب مُغيّب ركضاً وراء قوت اليوم أو في تطرف ديني وخزعبلات عن أرواح شريرة تسكن الأجساد يجسدها مراد في شخصيتي أخت البطل ‘آية’ وزوجها الذي تحوّل إلى ‘الشيخ’ محمود، وهو بالأساس خريج الحاسب الآلي تنقل في عدة وظائف لا تمت لمؤهله بصلة ثم انضم إلى الجماعات الدينية التي وجد فيها ضالته من مال ووضع اجتماعي وأذاق ‘آية’ ضحية غسيل الدماغ الديني الويلات وتركها شخصاً مقهوراً وجريحاً.

وعلى سبيل الأمل، لم يتركنا مراد في وسط كل هذا المستنقع من الفساد والخيبة في الوصول إلى بصيص من النور دون أن يسلط الضوء على شخصيات نقية شريفة حيث يكمن الأمل في المقاومة والتغيير والخروج من هذا الوحل الداكن. فبجانب أحمد كمال بطل الرواية الباحث عن الحق والعدل في هذا الزخم من التعفن السياسي والمجتمعي والأخلاقي،

نجد أيضاً شخصية صديقه عمر و شخصية علاء جمعة الصحفي المناضل الشريف وغادة حبيبة البطل وجميعهم رموز للأمل في أن ثمة شيء ما نظيف ورائع وقابل للخروج من تلك الكتلة القذرة وهم نواة لما يمكن أن يحمله الغد من بشرى للتغيير وتنقيح الأوضاع وهو ما حدث بالفعل أثناء ثورة يناير ٢٠١١ فيما بعد.

الحوار في فيرتيجو مختلف ورائع ولكل شخصية أسلوب ولغة تُضيف إلى العمل ككل وتجعل من قراءة الرواية مُتعة حقيقية دون ملل أو الرغبة في القفز بضعة فقرات لتصل إلى أحداث جديدة.

لغة الشباب الحوارية سمة مميزة للرواية تتضح بشكل بديع في لقاءات أحمد وعمر وتخاطب جمهور عريض من القراء الشباب الذين لم يخاطبهم الكثير من كاتبي الروايات في ذلك الوقت بمثل تلك الحميمية والواقعية.

في حوار دار بين بطل الرواية وصديقه عمر، تفيض قدرة أحمد مراد في التعبير عن هذا الجيل المُرهق المُكمم الأفواه والسي لم يجد من يعبر عنه حتى قرر في النهاية أن يثور هو لنفسه ويعبر عنها في إرهاص مستقبلي حقيقي لما قد كان بالفعل بعد مرور أربع سنوات على صدور الرواية حيث يقول البطل:

” يعني حد يهاجم بالنيابة عن الناس اللي مش فاضية. الناس اللي أكل العيش هو اللي بياكلها. الناس اللي بتجري طول اليوم عشان القوت وبس يا عمر زيي وزيك كدة، مفيش أحلام ولا طموحات. يدوبك يحط دماغه على المخدة عشان يصحى تاني يوم يشتغل زي الحمار في الساقية.”

هكذا تكون فيرتيجو رواية استثنائية لكاتب استطاع في أول أعماله أن يتحدى ذاته ويتحدى القيود الأدبية والمجتمعية فارضاً نكهة جديدة من أدب روائي أتقنه بامتياز لينتشل القارئ من ملل كبير وفجوة كان ينقصها نوع من الأدب كروايات أحمد مراد التي توالت تُدهش القارئ وتدفعه للإيمان التام بأن هذا الكاتب هو حقاً استثنائي في كل شيء،

تتملكه من وجهة نظري جنية إبداعية لأنه ليس من الطبيعي أن تخرج فيما بعد أعمال بروعة وتفرّد ودهشة روايات أحمد مراد الستة التي تلت فيرتيجو، تلك البداية الأدبية التي استحقت حقاً الحفاوة والتي نتقدم من خلالها بالشكر الواجب جداً للأستاذ /محمد هاشم صاحب دار ميريت الذي آمن بموهبة مراد ونشر روايته دون تردد وللسيدة الجميلة زوجة الكاتب الرائع الذي كما ذكر في إهدائه للرواية أنها هي من “أقنعته بالكتابة بين ليلة وضحاها وتحملت ضرة في البيت اسمها فيرتيجو.”

حمّل التطبيق

تحميل التطبيق

اترك تعليقاً

كتب أحمد مراد

الرئيسية
حسابي
كتب
كُتاب
متجر