رواية ترسم حال مصر بعد النكسة، حتى بداية عام١٩٧٠، فترة حرب الاستنزاف. لوحة أدبية متكاملة جمعت بين مشاكل اجتماعية و الرومانسية و السياسة و التاريخ.
احصل علي نسخةلم يشاهد ” السباعي” آخر أعماله الأدبية على الشاشة الذهبية ولم يحظى بمتعة نجاح رواية العمر لحظة حين تم تحويلها الى عمل فني، حيث تم اغتياله قبل العرض الأول لفيلم ” العمر لحظة” في ستنمبر١٩٧٨فقد قام المخرج ” محمد راضي ” بتحويل رواية ” السباعي” الى فيلم يحكي عن ملحمة حرب الاستنزاف ونصر السادس من أكتوبر، وان كان السباعي لم يذكر انتصارات أكتوبر في الرواية حيث انتهى من كتاباتها في مايو ١٩٧٣قبل الحرب بخمسة أشهر ولكنه تنبأ بانتصارات الحرب في رواياته..
تدور أحداث الرواية في مدينة القاهرة بإحدى دور الصحافة الكبرى بها ثم ينقلنا ” السباعي” الى جبل “عتاقة” ومنه الى جزيرة ” شدوان” بالسويس لنعيش معه لحظة تحرير جنود الجيش للأراضي المحتلة ثم يعود بنا مرة أخرى للقاهرة بعد الانتصار لتكريم الأحياء وأسر الشهداء..
تبدأ أحداث الرواية في نهاية عام ١٩٦٩ وتنتهي في بداية عام١٩٧٠ والتي تعتبر من أهم فترات التاريخ وهي فترة حرب الاستنزاف كما ذكر ” السباعي” في مقدمة الرواية والتي قام بإهدائها الى الجندي المصري الذي تحمل هزيمة يونيو ٦٧ والآلام تبعتها…
ربما كان “السباعي” أو ” جبرتي العصر” كما كان يطلق عليه ” نجيب محفوظ” لا يعلم أن ” العمر لحظة” ستكون آخر أعماله ولكنه أخرج لوحة أدبية متكاملة جمعت بين مشاكل اجتماعية و الرومانسية و السياسة و التاريخ أيضا وكأنه أنه يريد أن يعلن لقرائه أن “ختامها مسك”، وأنه يتوج كافة أعماله الأدبية بعمل متكامل جمع فيه مختلف ألوان الأدب التي قدمها سابقا
يبدأ الفصل الأول للرواية ب” شائعات” تسمعها ” نعمت” بطلة الرواية عن زوجها” عبد القادر” وتتلقاها ب” مزيد من المذلة” وتسبب لها ” مشاكل صغيرة” وتدفعها للذهاب لاحتساء ” فنجان شاي في نقطة مراقبة” والبدء في ” حكاية على شاطئ القناة” وهناك قابلت المجند ” صلاح” الذي كان في ” حالة انهيار”، ثم قابلت المجند ” عبد العزيز” التي كانت لديه ” مشكلة في جوف سعدية” والتي لم تستطع حلها نظراً لان هناك ” استعداد للشغل” ولكنها كانت تردد بداخلها دائماً ” كنت أعرف أني سأعود” وحاولت أن تلملم ذكرياتها ” قبيل الرحيل” وتركت المجندين لإنجاز ” مهمة في عرب اليسار”، وعادت إلى القاهرة لتنفيذ وصية المجند ” عبد العزيز” و تقرأ ” رسالة قصيرة” تركها والد المجند ” صلاح” قبل أن ينتحر، كانت تجمع وهي عائدة بين حناياها” حنين مع الريح” بينما كان حبيبها في ميدان المعركة بالقرب من جزيرة ” شدوان” قرر أن يعود ” قاتل أو مقتول” ولكن حينما عادت قررت ” نعمت” أن تجري ” عملية بتر” وتضع ” الخاتمة” لحكايتها..
هل كانت ” نعمت ” مجندة في الجيش أم طبيبة أم تمتهن مهنة أخرى، هل كانت كاتبة صحفية أم أخصائية اجتماعية ولماذا ذهبت الى ” جبل عتاقة” في ميدان المعركة بالسويس، ولماذا طلبت الانفصال عن زوجها ” عبد القادر”، ومتى أحبت “محمود” وكيف وقع قلبها أسير لهواه وهي سيدة لا تعرف في الحياة سوى شيئان منزلها وعملها، وكيف ساعدت المجندين ” صلاح”، و ” عبد العزيز” في حل مشاكلهما ولماذا أجرت عملية بتر في نهاية الرواية ومن هي ” نادية” التي دفعتها لإجراء تلك العملية الدامية القاسية..
” العمر لحظة .. لحظة نعيشها في ضمة حبيب .. لحظة نعيشها في انكسار هزيمة.. لحظة نعيشها في نجاح بطولة..” هكذا كانت تدور فلسفة رواية ” السباعي” ولكنه ربما لم يكن يعلم أن العمر لحظة قد نعيشها أيضا في رحيل بطل الأدب، لحظة نعيشها في استشهاد رائد الرومانسية، لحظة نعيشها في غياب جبرتي العصر ونحن نقرأ آخر رسائله لنا
نعم من المستحيل ان يتحول الحديد الى ذهب ولكن احذر من الممكن افساد الذهب و تحويله الى معدن رخيص ممسوخ عندما يختلط طويلا بالحديد و ينصهر معه..لذلك
قد يهون العمر الا لحظة وتهون الارض الا موضعا.
هذه الرواية تستعرض الليل الطويل الثقيل الذي خيم على مصر و سوريا قبل انطلاق النصر فجأة
في شدوان تلك الجزيرة الارشادية بالبحر الاحمر ..دارت معركة فاصلة باسلة دامت ل36ساعة امتلات بالبطولات اثناء حرب الاستنزاف
و سيظل السباعي افضل من عبر عن روح الضابط و الجندى بالجيش المصري قديما..بمعاناته الصغيرة..و بذل روحه عن طيب خاطر
اختلطت في الرواية معاناة الصحفيه نعمت” المهزومة السلبية “مع زوجها المستهتر باندفاع الضابط محمود و جنوده على الجبهة و قد استبدل السباعي الصحفي الامريكي الذي وثق معركة شدوان بالصور ب: نعمت .. في محاولة جديدة من السباعي لتأريخ لحرب الاستنزاف
ولكنها ليست اجمل ما كتب بالنسبة لي..اختلط فيها الملل بافتقاد الرؤية ..تماما مثل تلك الفترة من التاريخ المصري العربي
و الفيلم يختلف عن الرواية في ان محمود كان متزوج و ليس ارملا
لكنى احمل للفيلم ذكريات طفولية عزيزة مع تعليقات جدى العزيز عند عرضه في المناسبات الوطنية مثل 6اكتوبر سنويا
ورحلة أخرى مع يوسف السباعي عبر الزمن نقلتني إلى فترة حرب الاستنزاف وحياة الناس حينذاك وأكثر ما يعجبني في يوسف السباعي ويجعله متفردًا بين الكتاب الآخرين بالنسبة لي هي قدرته على نقل واقع مصر الاجتماعي والتاريخي والسياسي كل في رواية واحدة وهذا يخلد رواياته وتخلد رواياته بدورها تاريخ مصر بشكل مختلف، ذلك التاريخ الذي لم نرده أن يمر يومًا ما. يوسف السباعي بارع في نقل حياة الناس وعواطفهم بشكل يصورهم أمام القارئ شكلًا وروحًا ويشعره بالتعايش معهم فعلًا مما يجعل القارئ لا ينتهي من القراءة إلا وكلماته باقية في نفسه وعواطف شخصيات الرواية لا تزال عالقة به تلك العواطف التي تبعث الرجفة من الأعماق. في تلك الرواية صور يوسف السباعي فترة حرب الاستنزاف بحماسة جنودهم واستبسالهم في الدفاع عن أرضهم ضد عدوهم وصور مشعر الناس تجاه بلدهم وكيف يعتبرونها جزءًا من حياتهم بحق .. رصد حياة أناس هم السبب في حياتنا التي ننعم بها اليوم على أرض مصر آمنين ..
وكما عودنا السباعي في رواياته فلم يغفل الحياتي والفلسفي في روايته هذه إذ لم تخلو أحداث روايته من فلسفة الحياة المتمثلة في عنوان الرواية “العمر لحظة” والتي تبدت في أكثر من ناحية وموقف فالعمر قد يهون إلا لحظة .. وعمر الجنود على الجبهة لحظة يفقدونه فيها أو يكسبونه وكذلك هو لحظة تفرض عليهم البقاء أو الاستشهاد والعمر لحظة يضيع في لحظة أو يتبلور في لحظة قد تأتي وقد تأبى المجيء فتتأخر. في الحقيقة وجدتني في النهاية عاجزة أمام فلسفة السباعي التي تعطيني في كل مرة معنى جديدًا للحياة …!