أولاد حارتنا

نجيب محفوظ

تحكي الرواية عن حارة كبيرة من الحواري المصرية، يقع بأعلى تلالها بيت كبير، يسكنه رجل عظيم أزلي الوجود اسمه "جبلاوي"، وكان له ابن مُدلل اسمه "أدهم" وابن آخر اسمه "إدريس"

احصل علي نسخة

نبذة عن أولاد حارتنا

أولاد حارتنا تعد من أكثر الروايات العالمية إثارة للجدل، فقد خطها فيلسوف الحارة نجيب محفوظ بشكل رمزي يهدف إلى مجموعة من الإسقاطات السياسية، لكن الرواية أُولت تأويلاً آخر على يد الأصوليين، مما أدى إلى تكفير صاحبها ومحاولة اغتياله في عام ١٩٩٤ وظلت الرواية في غياهب الطيّ والنسيان باستثناء بعد المحاولات البسيطة لنشرها، حتى عام ٢٠٠٦ حين نُشرت في دار الشروق.

تحكي رواية أولاد حارتنا عن حارة كبيرة من الحواري المصرية، يقع بأعلى تلالها بيت كبير، يسكنه رجل عظيم أزلي الوجود اسمه “جبلاوي”، وكان له ابن مُدلل اسمه “أدهم” وابن آخر اسمه “إدريس”، فحدث أن قام إدريس بخداع أدهم وخيانته، بأن جعله يعصي والده الجبلاوي، ولما علم الوالد، قام بطرد إدريس من بيته، وكذلك طرد أدهم ليسكن في إحدى البيوت الخربة بالقرب من البيت الكبير مُنتظراً العفو عنه.

ويخرج من صُلب إدريس مجموعة من الظلمة “الفتوات” الذين عاثوا في الحارة فسادًا، ومن صُلب الجبلاوي يخرج مجموعة من المُصلحين، يحاولون الالتزام بشروط الجبلاوي العشرة، ومن أهمها إدارة أوقاف الحارة نيابة عنه بالعدل بين سكانها الفقراء، فتحدث الكثير من المُصادمات بين الفتوات والصالحين طوال الخمسة فصول.

الفصل الأول بعنوان “أدهم” والذي يتحدث عن الأزمة الأولى التي حدثت بين العائلة؛ بين الجبلاوي وولديه، والفصل الثاني عن شخصية “جبل” وهي شخصية قوية تربت في إحدى بيوتات أهل الفتوة في بادئ الأمر، إلا أنه اختار أن يُدافع عن الحق ويوزع الأرزاق بالعدل بين الفقراء، والفصل الثالث عن شخصية “رفاعة” وهو رجل وديع وسمح ينتهج طريق العدل، ولكن الفتوات يحاولون قتله، إلا أن الجبلاوي يتدخل ويأتي به ليعيش في بيته معه بدلاً من أن يُقتل كباقي إخوته السابقين،

والفصل الرابع عن شخصية اسمها “قاسم” وهو من استطاع في أول الأمر أن يكسر ظهر الفتوات، ويسعى لتثبيت العدل بين الناس، ولكن لا تدوم تلك الحال، وإنما تسوء فيما بعد، خاصة في الفصل الخامس والذي يظهر فيها الشخصية الأخيرة “عرفة” وهو الشاب المُثقف، والذي لا يرضى بتاتًا بحال الحارة تلك، ولا بالظلم المُتفشي فيها، وغياب العدالة وجهل الجبلاوي بما يحدث في أوقافه، فيحاول “عرفة” اكتشاف ما يحدث ولكن تنتهي الرواية بما لا يخطر على بال أحد،

وكانت تلك النهاية هي سبب إثارة ذلك الكم من الجدل حول رواية نجيب محفوظ.
غير أن رواية أولاد حارتنا أساس كتابتها كان سياسيًا؛ فالأستاذ نجيب صور حال مصر بعد الثورة بحال الحارة، والتي ساد فيها الظلم، ويتضح ذلك في الرواية من خلال المواقف الحوارية المشحونة بكثير من الفلسفة المُبسطة التي اعتاد عليها الناس في أدبيات نجيب محفوظ،

كأن يقول على لسان أحد الشخصيات: “لم أعد إنسانًا، فالحيوان وحده هو الذي لا يهمه إلا الغذاء”، ليدل من خلال ذلك الحوار على غياب العدل لدرجة أن القيمة الإنسانية قد انحطت لدرك لا يجعل الإنسان يتميز عن الحيوان بأي أهداف سوى أنه يتكلم فقط ويفكر، ولكنه يتفق مع الحيوان في السعي وراء لقمة العيش.

وكذلك حين قال على لسان إحدى شخصيات الرواية: “القوة عند الضرورة والحب في جميع الأحوال”، ليُبرهن من خلال مثل تلك الحوارات على فكرة الصراع بين الخير والشر الدائم في العالم منذ الأزل، فيصوره الأديب نجيب محفوظ في شكل رمزي عن الحارة المصرية البسيطة

كيف كان منشورنا؟

دوس على النجمة لمشاركة صوتك

متوسط التقيم 0 / 5. عدد الاصوات 0

لا يوجد تصويت

تعلقات على "أولاد حارتنا"

  1. Moawia Eldahaby يقول Moawia Eldahaby:

    أولاد حارتنا.. آفة حارتنا الاختزال .

    يملك نجيب محفوظ عشرات المؤلفات والأعمال الأدبية المتنوعة بين، السياسي، والفلسفي، والتاريخي، والاجتماعى، والواقعي، فمنها ما هو مُحبب وشائع، ومنها ما هو غير ذلك، وهذا أمر طبيعي، فالاتفاق، أو الإجماع على شيء واحد هو محالُ بالضرورة، لكن ما هو غير طبيعي، هو أننا قوم نُحب الاختزال، نعشق التلخيص المُخل، واختصار الشخص في جملة واحدة، إن لم تكن كلمة .

    فكما اختزل خصوم محفوظ أسباب حصوله على نوبل في “أولاد حارتنا”، فقد تم اختزال الرواية ذاتها في جانب واحدٍ فقط من جوانبها، مع تجاهل باقي الجوانب، لتنحصر الرواية في قالب ضيق أرغى وأزبد حوله الجميع، رغم تعدد جوانب وأبعاد تلك الرواية .

     

    الجانب الديني للرواية .

    هو الجانب الذي نال نصيب الأسد من الجدل الدائر حول الرواية، فقد اعتبرها البعض مُسيئة للأنبياء، في شخصيات، أدهم الذي يرمز لآدم، وجبل الذي يرمز لموسى، ورفاعة الذي يرمز لعيسى، وقاسم الذي يرمز لمحمد، عليهم الصلاة والسلام، وطاعنة في الذات الإلهية، من خلال شخصية الجبلاوي، لكن الفصل الأخير من الرواية يُبطل كل تلك التأويلات، فيجعل من الجبلاوي رمزاً للدين في حد ذاته، وليس للذات الإلهية، كما يرمز عرفة للعلم الحديث المادي المجرد، والصراع المحتدم بين العلم والدين .

     

    الجانب التاريخي .

    تُعد”أولاد حارتنا” بمثابة سرد مُبسط وغير مُخلٍ لتاريخ البشرية مُنذ عهد آدم عليه السلام، وحتى يومنا هذا، فقد اختار محفوظ من التاريخ أهم المراحل الفاصلة في حياة الإنسان، فبدأ بعهده القديم وبداية خلقه، وعصيانه، وأولى جرائمه، ثم تطرق إلى مراحل ظهور الديانات السماوية، فتناولها من منظور مُعتنقيها، وما لها من فضلٍ في الارتقاء بالانسان، ثم اختتم بعصر العلم، والذي به استغنى الغالبية عن الدين، يُحسب لمحفوظ أنه أول مَن حذَّر من إهمال الدين وتصعيد العلم الحديث عليه، من خلال الفساد الذي ساد الحارة بعد شائعة مقتل الجبلاوي، حتى العلم نفسه في صورة عرفة، كان يُعاني استغلال السلطة له بعد غياب الدين ممثلاً في الجبلاوي .

     

    الجانب الفلسفي .

    لا تخلُ رواية لنجيب محفوظ من جانب فلسفي، كيف لا وهو مَن درس الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة، وقد أخذ الناس الرواية في طريق نظرية “موت الإله” لفريدريك نيتشة، رغم أن الرواية لا تدور في هذا الفلك أصلاً، فالرواية تُناقش مفهوم “السعادة”، من حيث ماهيتها، وكيفية تحقيقها، ففي كل فصل من فصول الرواية، يُقدم محفوظ رؤية عن مفهوم السعادة، فهناك مَن يعتقد أن السعادة تكمن في الثراء المادي، كان ذلك تصور أدهم بعد طرده من البيت الكبير، وهناك من ظن أن السعادة في الاختلاف والخروج على السلطة بغرض التميز والخلود، كما كان يظن إدريس وعرفة، وهناك مَن يؤمن بأن السعادة في تهذيب الروح من الخطايا، وتطهيرها من الذنوب، ثم ريها بالحب والمسالمة مثل رفاعة، على حين يوجد مَن يرى بأن السعادة تتحقق عندما يسود العدل والمساواة بين الناس دون تفرقة أو سيادة لفصيل على الآخر، وهذا تصور جبل وقاسم .

     

    الجانب السياسي .

    ربما هذا الجانب هو أخطر جوانب الرواية، حيث يستحق النظر إليه بإمعان وتدبر، لقد قدَّم محفوظ عدة نماذج لعلاقة الفرد بالسلطة المستبدة، وطرح عدداً من الحلول لمواجهة الاستبداد، منها ما أصاب وأفلح، ومنها ما أخطأ وتقهقر، وقد انتصر محفوظ في روايته تلك لمبدأ القوة في مواجهة السلطة المستبدة، ففي المواقف التي استخدم فيها الفرد العنف والقوة في وجه السلطة الباطشة كان له ما أراد، فالقوة دائما ما تنتصر، وانظر إلى جبل وقاسم وأعوان رفاعة بعد مقتله، أما الحلول السلمية في المواجهة فدائما ما تبوء بالفشل، هكذا كان الأمر في حالة كل من رفاعة، وهمام .

    الخلاصة .

    كل هذا وأكثر مما لا يتسع المجال لذكره، تذخر به رواية “أولاد حارتنا”، لكن القوم في حارتنا قد حصروها في جانب واحد، متجاهلين ما بها من قضايا وأطروحات، وفي النهاية هي رواية، وصيغة أدبية، والغرض منها قبل كل شيء هو إمتاع القارىء، وليس تغيير فكره عن الحياة.

    ولا يسعنا في الختام سوى ما قاله نجيب محفوظ نفسه عن روايته : إن مشكلة “أولاد حارتنا” منذ البداية أنني كتبتها “رواية”، وقرأها بعض الناس “كتابا”، والرواية تركيب أدبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال، ولا بأس بهذا أبداً، ولا يجوز أن تُحاكم الرواية إلى حقائق التاريخ التي يؤمن بها الكاتب، لأن كاتبها، باختيار هذه الصيغة الأدبية، لم يُلزم نفسه بهذا أصلاً، وهو يُعبر عن رأيه في رواية .

    معاوية الذهبي .

  2. Mahmoud Allam يقول Mahmoud Allam:

    هذه نظرة خاصة على تلك الرائعة (أولاد حارتنا)، والتي قد يأخذك الرمز فيها إلى أي مكان، أو لا يأخذك إلى أياً كان، فقد تتعامل مع الحكايات باعتبارها حكايات حارة الجبلاوي، تلك الممتدة من البيت الكبير على حدود المقطم، نزولاً حتى الجمالية،.. فهي أولاً وأخيراً “رواية” وليست كتاباً، يحق للقارئ وللمؤلف على السواء أن يذهبوا بها كيفما شاءوا.

    وهكذا فإني سوف أقدم تلك المراجعة للرواية بشكل ـ ثوري إلى حد ما ـ، فسوف أعيد كتابة افتتاحيتها (التي كتبها أديبنا العالمي)، ولكن كما أراها حاضرة اليوم:

     

    افـتتــاحـيــــــــة

     

    هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق. لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته، ولكني سجلتها جميعاً كما يرويها الرواة وما أكثرهم…..

    وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات،ـ فكلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة، أو رأى ما آلت إليه الأحوال وما صرنا فيه من هوان بين الأمصار وباقي الأقطار، أشار إلى أياً من تلك الأبنية الشاهقات المعمرات التي تركها لنا أجدادنا، وقال في حسرة: “تلك منجزات أجدادنا، جميعنا من صلبهم، ونحن مستحقي أوقافهم، فلماذا نجوع؟ وكيف نُضام؟!”.

    ثم يأخذ في قص القصص والاستشهاد بسير ناصر والسيد والحسيني من أولاد حارتنا الشجعان،ـ وأجدادنا هؤلاء لا يزالون لغزاً من الألغاز. فعلى الرغم من مغادرتهم حياتنا واعتزالهم منذ آلاف السنين في مراقدهم علّهم يُبعثون،ـ إلا أنهم حاضرون خالدون بما تركوا من إرث عظيم، يجعلنا نحن أبناء الحارة نتغنى بتلك المنجزات، ولا نفوت مناسبة إلا نسبنا أنفسنا إليهم.

    وكيف أنهم تواروا بأسرارهم ودفنوها معهم، أو خبئوها عنا ليتركونا في التخلف والجهل، الذي كلما اشتد علينا،ـ وكاد يدركنا اليأس والكفر بالحياة،.. تذكرناهم، وتذكرنا أننا من نسلهم، فأشرنا إليهم وإلى ما خلّفوه لنا وعدنا لننسب أنفسنا إليهم…

    حتى إن باقي الحارات تحسدنا على نسبتنا إلى ذلك النسل، بل وتخصص الحارات القوية أفضل أفرادها وأعلمهم لبحث ودراسة سيرهم، علهم يقفون على سر عظمتهم وخلودهم… ولكنهم لا يعلمون أننا بتنا من الفقر كالمتسولين، نعيش في القاذورات بين الذباب والقمل، نقنع بالفتات.

    فنحن يتوالى على حارتنا فتوات يمقتون ويحاربون هؤلاء الأجداد، ويتمنون لو يحرقون ويدمرون إرثهم، ويعضّون بالنواجذ على إرث وافد، لا يمت لطبيعة وجبلّة حارتنا بصلة، لكنه يسمح لهم بالسيطرة على البلاد والعباد، وفرض الإتاوات.

    وكلما ضاق الناس بهم، وانتفضوا وثاروا عليهم واستطاعوا إزاحتهم وكادوا يفتكون بهم، عادوا مرة أخرى بمكرهم ولعبتهم المعتادة من مداهنة لناظر الوقف، أو إيهامه بقدرتهم على سياسة الناس وجعلهم أكثر طاعة، وشيئاً فشيئاً ينجذب لهم الناس، ويسلّمون لهم،…. وإذا ما تمكن هؤلاء،.. فعندها.. تعود النبابيت لتُرفع والظلم ليطغى، وكأن شيئاً من ذلك لم يحدث من قبل،ـــ فآفة حارتنا النسيان.

    وقد شهدت العهد الأخير من حياة حارتنا، وعاصرت الأحداث التي دفع بها إلى الوجود “عبده” ابن حارتنا البار…

    حارتنا العجيبة ذات الأحداث العجيبة. فماذا كان من أمرها؟ ومن هم أولاد حارتنا؟

     

    ***

    كانت هذه الافتتاحية تعديلاً مني أو بالأحرى توظيفاً ممكناً، لأولاد حارتنا، في حقبة معينة من زمن هذه الأمة…. وأترك لخيال القارئ نسج باقي الرواية،ـ كما تتراءى لخبرته ومعايشته لواقعه، أياً كان هذا الواقع، (فردياً كان أم جماعياً)..

    فأولاد حارتنا ـ كما آلفها ـ ليست مجرد رواية ذهب صاحبها بالرمز إلى عليين،ـ وإنما قيمة رمزيتها في إطلاقها، التي تجعل منها قالب فارغ، مثل معادلات المنطق، يمكنك ملؤه بأي محتوى تريد…

    قد تأخذك أولاد حارتنا إلى فكرة (أن التاريخ يعيد نفسه)، وتجعلك تنتظر أن تشاهد أحداثها تعود وتتكرر، وكأن “لعنة” هذه الأمة ـ ليست مجرد آفة ـ هي النسيان…

    يُصاحب إحساسك بنفاذ بصيرة أولاد حارتنا إحساس آخر،ـ. تلك القشعريرة التي تسري في الأوصال، وذلك السأم السقيم كلما تخيلت القصة تعيد نفسها،ـ فتجعلك تتساءل:

    هل سيعود الفتوات من جديد؟؟!

    ما هذه اللعنة المتوحشة؟؟ ألم يتعظ “السيد” من درس “ناصر”؟؟!

    ثم ألم يتعظ “الحسيني من درس “ناصر” “والسيد”؟؟!!!!!!

    وهل سيتعظ “عبده” من درس الثلاثة؟؟

    ألم يحن الوقت للتخلص من تلك اللعنة المستورة خلف لفظ الآفة؟؟

    كلها أسئلة ستجيب عنها الأيام.

    ستجيب عنها الأيام يا حارتنا….

    ***

     

    محمود حسن علام

  3. Neven Nevo يقول Neven Nevo:

    رغم أني قرأت الكثير غيرها من روايات لنجيب محفوظ لكن لم أجد رواية أستسيغها قدر ذلك الرواية أولاد حارتنا التي اثارت جدلاً.
    تتكون الرواية من مراحل متصلة ببعض أهم ابطالها : أدهم و ادريس وجبل ورفاعة وقاسم وعرفة،مَن قرأ ربط أحداثها بالواقعية، هي حارة صغيرة من حارات القاهرة وكان هناك رجل يدعى الجبلاوي ذا هيبة وصوت جهوري وعظمة ويتصف بالقداسة يمتلك الجبلاوي قصراً كبيرًا ومنه يبدا بنسل فيه و ينطلق أبناؤه إلى تلك الحارة حتى يحكموها، فعندما شعر أنه يجب عليه أن يكلِّف أحد أبنائه بتولِي أمور الوقف في الحارة، وكان أحد أبنائه أدهم من الصغار فقد ولد من امرأة سمراء جارية وفضله على بقية أبنائه، ما تسبب في تمرد ابنه إدريس لرفضه ذلك التفضيل عليه فطَرده من البيت ، ولكن إدريس بقي يحاول الإيقاع بأدهم حتى تسبب بطرده من البيت بعد أن خالف أوامر الجبلاوي بتحريض من أخيه إدريس حول معرفة مضمون وصية ابيهم الجبلاوي .
    أيضاً بتشجيع و إلحاح من زوجة أدهم أميمة يتسلل خفية إلى الوصية فيطرد هو الآخر من القصر جراء معصيته لأبيه.
    الفصل الأول يظهر عبقرية بارعة لنجيب محفوظ في  رسم الشخصيات وافكارها وصراعاتها الواقعية الي حد كبير لدرجة تشابه الاحداث بالواقع وتثير عقولنا بالتساؤلات لا أعتقد ولا يمكن قراءة الرواية دون تفكير وتحليل كل كلمة وشخصية.. إدريس من أفضل الشخصيات كان واقعيا جدا إبليساً بحق.. أدهم وبراءته وأميمة تنال مرادها بدلال النساء الطبيعي وتشوقها للمعرفة والفضول تصيد بالمياه العكر بكل أسلاك الخبث النسائية يخرج أدهم وهو نادم على فعلته فأصبح من المتشردين مع أبنائه وزوجته.. تتوالى الأحداث بمقتل أحد ابني أدهم على يد أخيه الثاني.. تتوالي علي رأسي الأسئلة  الكثيرة لتبين براعة نجيب في التفاوت بين الأشخاص والخلاف بين الاخوات ذلك الصراع الابدي منذ أيام قابيل وهابيل..
     بعد أعوام تزيد الحارة بذرية الجبلاوي و تفوح فيها روائح الفقر والظلم والفساد والفاسدين، و هناك من فتوات يهبطون عليهم بالنبابيت بسبب ودون سبب يجمعون منهم الإتاوات حتى لا ينزل عليهم العنف بلا رحمة، وتأتى دور الجملة الشهيرة في الحكاية “ولكن آفة حارتنا النسيان” تمر السنوات وتصبح الوقائع الماضية مجرد حكايات ثرثرة1 في الجلسات الليلية وكأنها إحدى الأساطير، ثم تظهر شخصيات جبل ورفاعة وقاسم وإذ أنهم من أب يرضى بالظلم واللامبالاة الموروثة من الجبلاوي وذريته التي كانت تعاني من الفقر جراء فسادهم، جبل بعد سنوات من ظلم و فساد يقتل جبل أحد الفتوّة خطأً فيضطر للهروب من الحارة. تتعقد الأحداث حتى تصل لمواجهات عديدة مع  رجل يسمى الواقف وفتوته تنتهي بقتلهم في حفرة في الحارة وتهطل عليهم الأحجار من السكنات الجانبية يميناً ويساراً فمزقتِ الغيرة والغضب شرب دم بعضهم.
    أم رفاعة فهو الذي يخدم نفس الهدف ولكنه من غُدر فقُتل.. أما القاسم أتهم قاسم بالجنون والسحر لكن عدد أتباعه بدأ بالتزايد سرا حتى استطاع أن يبين رسالته جهرا، وتزوج واحدة من سيدات الحارة رغم فارق العمر الذي تكبره به.
    وصف محفوظ حي القاسم بالجرابيع لأنّهم ضعفاء يتقاتلون بعضهم البعض.
    من مقولات نجيب في رواية:
    “الضعيف هو الغبي الذي لا يعرف سر قوته”
    لا تخف الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة. ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكما الحياة ما دمتم تخافون الموت.
    ومن عجب أن أهل حارتنا يضحكون علام يضحكون؟ إنهم يهتفون للمنتصر أياً كان المنتصر، ويهللون للقوي أياً كان القوي، ويسجدون أمام النبابيت، يداوون بذلك كله الرعب الكامن في أعماقهم. غموس اللقمة في حارتنا الهوان. لا يدري أحد متى يجيء دوره ليهوي النبوت على هامته.
    ويرجع يقول نجيب ولكن آفة حارتنا النسيان.
    وآخر الشخصيات وشخصية عرفة هو الذى أثار جدلاً في النهاية، عرفة يمتاز بالذكاء ويقيم يفعل كل ما هو خطيرة والمخيفة، ينجح في النهاية وصول إلى بيت الجبلاوي وقتله في نهاية الرواية مع العلم أنه الجبلاوي يرمز إلى الذات الإلهية.

    ومثلما قال نجيب محفوظ في روايته..

    في حارتنا إما أن يكون الرجل فتوة وإما أن يُعدّ قفاه للصفع

    ولكن نهايته تثبت أن العلم وحده غير كاف للتغيير وأن الدين أساسي يجعل الإنسان يتطلع دائما إلى الإصلاح ولكن الدين مربوط بالعلم فبموت الجبلاوي وامتلاك عرفة سلاح العلم، احتكر السلطة ويصبح الحاكم الأمر و الناهي ولم يعد يوجد من يردعه.. ولكن

    الناس يعبدون القوة، حتى ضحاياه!

    تعبر الرواية بشكل واضح عن فكرة التاريخ يعيد نفسه، فالإنسان هو نفسه لا يتغير بالرغم من تغير الزمان والوسائل والظروف، تحركه الأطماع والمصالح الشخصية وحب التملك والسلطة. ولذلك فالصراع بين الخير والشر سيستمر إلى أن تفنى الأرض وما عليها، رواية “أولاد حارتنا” هي رواية عن الإنسان، تلخص مسيرة البشرية منذ خلق آدم إلى الآن عن طريق كل شخصية من شخصيات القصة.
     فكرة الرسائل السماوية على الأرض من مكان واحد ولكن تختلف فقط باختلاف البشروالأزمان والأماكن، وأن الهدف هو تطبيق العدالة و نجلب الكرامة وتغلب على الظلم والقهر.
    والبعض يستغلون الدين لتحقيق أطماعهم ومصالحهم الدنيوية. شعرت بعبقرية نجيب محفوظ في الكتابة في كل مظهر من مظاهر الحياة ورسم جو الحارات الشعبية المصرية والعيش في مع كل شخصية والخيال على الذى فتح بمفاتيح نجيب الخاصة والمذاق المختلف للوجبات الشهية الدسمة لخيالنا التي توجد بداخل كل باب من أبواب ” أولاد حارتنا “.
     
     

  4. أولاد حارتنا: محاولة جريئة لكتابة تاريخ البشرية فى رواية
     
    تتناول الرواية أحداثا وقعت في حارتنا منذ زمن ليس ببعيد، حيث يُشيدُ الجبلاوي ذو الهيبة العظيمة، قصره المنيف بحديقة غناء، ويجيء يوما يقرر فيه تكليف أحد أبنائه بإدارة الوقف، وعلى عكس ما كان متوقعاً كُلِّف أدهم إبنه من جارية بديلا عن إدريس إبنه الأكبر، ويشتاط إدريس غضباً من قرار والده ويحتج في وجهه بأحقيته فى الخِلافة، ويشتد فى النقاش حتى يُطرد من المنزل ويُلعنَ لعنةً أبدية، وتمر الأيام فيتزوج أدهم بأميمة إحدي جوارى القصر، ولفضولهما – المُغذّى من طرف إدريس – حول معرفة مضمون وصية الجبلاوي يتشجع أدهم للتسلل إلى غرفة والده للإطلاع على حُجة الوقف، فيُطرد هو الآخر من القصر جرّاء معصيته لأبيه.

    يخرج أدهم وهو صاغرٌ نادمٌ على فعلته فيتجاور مع أخيه إدريس مشرّديْن مع أبنائهما وزوجتيهما غير بعيدين من القصر طامعين في رحمة ومغفرة من الجبلاوي، تمتلئ الحارة بذرية الجبلاوي ويسود فيها الفقر والظلم والفساد، ويعاني أهل الحارة من فتوَّات ظَلَمة يهبطون عليهم بالنبابيت بسبب ودون سبب، تمرّ السنين وتظهر على فترات متباعدة شخصيات جبل ورفاعة وقاسم على التوالي والتي تمثل الشخصيات الإستثنائية بين سكان الحارة، الذين رفضوا الرضا بظلم نُظار الوقف وعجرفة الفتوات، وسَعُوا إلى نشر العدل والرحمة بين الناس.

    جبل، الذي رُبّي في قصر ناظر الوقف إمتثالاً لرغبة زوجة الأخير لأنهما لم يُرزقا بمولود، وكان ناظر الوقف يحتقرآل حمدان ويعاملهم بعنف وقسوة، وكان جبل قوياً لدرجة قتله أحد الفتوات دون قصد، فيضطر للهرب من الحارة قبل أن يلحق به أذى من الناظر وأعوانه، يذهب بعيدا ويتزوج إبنة رجل آوَاهُ فى بيته، وتعلم هناك عمل الحُواةٌ لسنوات قبل أن يقرر العودة مرة أخرى لحارة الجبلاوي، وفي طريق عودته يُقابل الجبلاوي الذي يكلفه بالسعي من أجل رفع الظلم عن آل حمدان والوقوف ضد بطش الناظر وأعوانه من الفتوات، وتتعقد الأحداث حتى تصل لمواجهات عديدة مع الناظر وفتواته تنتهي بقتلهم في حفرة في الحارة وتهطل عليهم الأحجار من السكنات الجانبية يميناً ويساراً عقاباً لما اقترفوه.
     

    أما رفاعة فقد كان رجلًا يافعًا وطيب المعشر، كان يُشفي الناس ويُخرج الجن والشياطين منهم، وكان مُحبًا للفقراء والمساكين ودائم العطف عليهم، وكانت النتيجة بأن أهل الحارة تجمهروا حوله، وقد سرَت أقاويل بين أهل الحارة بأن رفاعة قد قُتل بأيدي الفتوات وبأن الجبلاوي نفسه هو الذي حمله إلى القصر ودفنه هناك، وهناك من يقول بأن رفاعة لا يزال حيا فى البيت الكبير بعيداً عن مرأى الناس، وقد بالَغ العديد من أهل الحارة في تقديس رفاعة وأهله.

    وأخيراً قاسم، اليتيم حسن الخُلق الذي يتزوج واحدة من سيدات الحارة رغم فارق العمر الذي تكبره به، وبدأت رحلة نضاله كما ناضل جبل ورفاعة بعدما أتاه قنديل أحد خدم الجبلاوي يبلغه برسالة من الجبلاوي إليه، بأن جميع أولاد الحارة أحفاده على السواء، وأن الوقف ميراثهم على قدم المساواة، وأن الفتونة شرُ يجب أن يذهب، وأن الحارة يجب أن تصير إمتداداً للبيت الكبير، ولقد أصطفاه الجبلاوي ليعمل على تحقيق هذا الأمر بنفسه، اتُّهم قاسم بالجنون والسحر، لكن عدد أتباعه بدأ بالتزايد سرا حتى إستطاع أن يبين رسالته جهرا أمام الجميع، وبعد العديد من الصعوبات والمخاطر، إستطاع أن يقهر ظلم ناظر الوقف وفتواته، وكما جرت العادة بأن يُختتم كل فصل من الرواية بعبارة “لكن آفة حُارتنا النسيان”، لأن معاناة هؤلاء الرجال لهزيمة الظلم ورفع الحق كانت دوماً تُكلل بالنجاح لكن صدى قصصهم يخفت مع الوقت وتعود الحارة لما كانت عليه من مأساوية.
     
    وبعد أعوام عدة يظهر فى الحارة غريباً يُدعى عرفة، يشتغل بالعطارة والسحر ويُمثل العلم والمعرفة فى روايتنا، يسعى لتخليص الحارة وأهلها من ظلم الناظر والفتوات ولكن بتدبيره الإغتيالات وليس كسيرة العظماء من السابقين، وفي سعيه للوصول إلى هدفه يتشكك فى وجود الجبلاوي لكل تلك الأعوام والسنين، فيتجرأ ويتسلل خلسةً إلى البيت الكبير فى محاولة منه للكشف عن سر الجبلاوي، وفي البيت الكبير وتحت جُنح الظلام يُضطر إلى قتل خادم الجبلاوي قبل أن يُفضح أمره، ويعود مسرعاً لمنزله البسيط قبل أن يبزُغ الفجرَ على صرخات وعويل تمتلئ بهم الحارة وإنتشار خبر مُريع بموت الجبلاوي، وهنا يُسقط فى يد عرفة، فهو لم يقتل الجبلاوي ولم يقابله فى الإساس، فكيف مات إذن ولماذا، هل مات الدين بسبب حُب الناس وشغفهم للمعرفة، أم هل كان موته بسبب موت خادم الجبلاوي “رجال الدين” الذين عبدهم الناس بديلا عن الدين الحق، فلما أثبتت المعرفة والأحداث الكثيرة التى مرت على الحارة عبر السنين جهلهم وهدمت أصنامهم، لم يجد الناس وراءهم من شئ فمات الدين.
     
    ندم عرفة على موت الجبلاوي أشد الندم، خصوصاً بعدما أستغل الطغاةُ علمه ومعرفته لصالحهم من أجل زيادة سيطرتهم على أهل الحارة، ولهذا تمنى لو أنه يستطيع أن يتقدم في علمه للدرجة التى تمكنه من إعادة الحياة مرة أخرى إلى الجبلاوي، لأنه كما رأى وآمن بأن الحياة لا تصح بدون الجبلاوي، الحياةُ فى حارتنا لا تستقيم بدون الدين، والدليل هو مقابلة عرفة لسيدةٍ عجوز أخبرته بأن الجبلاوي قد مات وهو راضي عنه، فى كناية بأن الدين والعلم ليسا متنافسان بل متوافقان، فنحن أهل الحارة نحتاج أن نُعلم الدين أو نُدين العلم من أجل مصلحة البشرية.

  5. عمرو يسري يقول عمرو يسري:

    الرواية التي كادت تقتل صاحبها، وإحدى الروايات العربية الأكثر جدلاً في تاريخ الأدب.
    طالما تردَّدَت هذه الكلمات على مسامعي منذ الصغر إذا ذُكِر اسم رواية (أولاد حارتنا) للأديب المصري العالمي نجيب محفوظ. كنت أظنها في البداية مبالغات إلى أن قررت قراءتها فانبهرت بما قرأت؛ فإني لم أقرأ مثل هذا النص المتفرِّد في شكله ومضمونه.

    تتحدث الرواية عن الجبلاوي، ذلك الرجل الفذ المهيب الذي دانت له صحراء المقطم فبسط عليها نفوذه، وأسس بيته الكبير الذي لا يضاهيه بيت في الأنحاء ثم تنتقل إلى الصراع بين ابنيه إدريس وأدهم الذي انتهى بطردهما من البيت ليعيشا في الصحراء حياة التشرُّد إلى أن يسامح الأب أدهم، ويورِّثه وقفه له ولنسله من بعده، ثم تتابع الأحداث في نسل أدهم حيث نرى كيف آل حال أحفاد الواقف العظيم إلى أسوأ حال تحت سيطرة الناظر الظالم والفتوات الجبابرة، بينما تلوح بين فترةٍ وأخرى محاولات لتحقيق العدالة على يد أحفاد بررة مثل جبل ورفاعة وقاسم وعرفة.
    نعيش هذه الأحداث من خلال سرد نجيب محفوظ الممتع كأنك تجلس رفقته على مقهى ريش بينما تحتسيان القهوة وتدخّنان الأرجيلة؛ فالرواية مكتوبة بأسلوب الحكي الذي يمتاز به محفوظ، وبلغةٍ فصحى تتخللها بعض المفردات العامية التي تُدخلك في أجواء الرواية كأنك جزء منها.

    الرواية كما يعلم الجميع – مَن قرأها ومَن لم يقرأها – أنها سرد رمزي لقصة البشر منذ بدء الخلق؛ فالرواية زاخرة بالرموز المباشرة التي يفهمها الجميع، لكن الخطأ الذي وقع فيها منتقدو الرواية والمدافعون عنها على السواء أنهم حصروا هذه الرموز في الجانب الديني فقط، وهو ما كاد يودي بحياة الكاتب، لكنهم أغفلوا الجوانب السياسية والاجتماعية والنفسية، والتي من وجهة نظري هي المقصد الأساسي للرواية؛ فنجيب محفوظ معروف في جميع رواياته باهتمامه بإبراز هذه الجوانب.
    لكن – وللأمانة – فإنك عند قراءتك للرواية أول مرة ستُأخَذ أولاً بالجانب الديني الصارخ في الرواية، لكن الأمر سيحتاج منك للتأني، وربما إعادة قراءتها مرةً أخرى؛ حتى يزول عنك الذهول، وتنتبه للجوانب الأخرى، وهو ما حدث معي بالفعل، حيث قرأت الرواية للمرة الأولى أثناء مرحلة الدراسة الثانوية فتعجَّبت من جُرأة الكاتب الكبيرة، ثم قرأتها مرةً أخرى بعد مرور عدة سنوات فانتبهت لما غاب عني سابقاً.

    أول الجوانب هو الجانب السياسي، حيث تتركز جميع السلطات في يد ناظر الوقف الذي يستأثر بنصف ريع الوقف، ويمنح النصف الآخر للفتوات الذين يُلهبون أقفية أهل الحارة بالصفعات والإهانات لضمان خضوعهم. وربما أراد محفوظ بهذا الإشارة إلى المجتمعات الديكتاتورية التي تُحكَم بسلطة الفرد الواحد، فلا ينعم الإنسان فيها بالأمن أو الكرامة أو الطعام.

    أما الجانب الثاني فهو الاجتماعي، وهو ثاني أكثر الجوانب بروزاً بعد الدينيّ؛ فالحارة تغرق في مربع الفساد: الفقر والمرض والظلم والجهل. وأغلب أهل الحارة إما جبناء مستسلمين للظلم، يهللون للمنتصر أياً كان، وينعقون مع كل ناعق أو فتوّات ظلمة مُتجبّرين، بينما تبزغ بين الحين والآخر محاولات شحيحة للقضاء على سُلطة الناظر والفتوات، وتحقيق العدالة متمثلةً في جبل ورفاعة وقاسم وعرفة الذين اختلفت طرقهم رغم أن وجهتهم واحدة.

    ثم الجانب النفسي الذي رغم أن محفوظ لم يعرضه بشكلٍ مباشرٍ أو مُوجَّه إلا أنه يبدو في تصرفات أهل الحارة الذين يرزحون تحت وطأة الظلم والعوز ما يجعلهم يلجأون للجُبن ونفاق الفتوات تجنباً لسخطهم. وعند ظهور محاولات خجولة للإصلاح من جانب البعض مثل جبل ورفاعة وقاسم وعرفة يقف أهل الحارة ضدهم في البداية، بل يسخرون منهم، ويُظاهرون عليهم الفتوات، ثم ما يلبثون أن يقفوا في صفهم عندهم تلوح دلالات نصرهم. وبعد وفاة هؤلاء المصلحين، لا يستمر الناس في السير على سبيلهم إلى أن تعود الفتونة مرةً أخرى، ويعود معها الظلم. وهو ما عبَّر عنه محفوظ بجملته الشهيرة (آفة حارتنا النسيان) التي ينتهي بهل كل فصل.
    ومما يُحسَب لمحفوظ أنه لم يُشيطن أهل الحارة، ولم يجعلهم ملائكة، بل هم أُناس يرغبون في العدل والأمان، لكن يعتريهم ما يعتري الإنسان من جُبنٍ وجَزَع، وميل لتجنَب النزاعات، وإيثار السلامة. فلو كان الجميع مثل جبل ورفاعة وقاسم وعرفة لعاش الناس جميعاً في نعيم يتمتعون بالغناء في الحديقة الغنَّاء كما كانت أمنية أبيهم أدهم.

    ثم نعود لما بدأنا به مراجعتنا، الجانب الدينيّ. المُعضلة الأساسية التي كادت تودي بحياة محفوظ هو تعامُل الكثيرين مع (أولاد حارتنا) معاملة الكتاب لا الرواية، والفارق بينهما كبير؛ فالكتاب يحمل آراء وأفكار صاحبه التي تستند إلى حقائق ومراجع ودلائل، أما الرواية فهي تعتمد على الخيال والرموز والإبداع، ولا يُمكن أن يُحاسَب المرء على خياله.
    وقد ظن كثيرون أن محفوظ يشير بشخصية (الجبلاوي) إلى الله (جل جلاله)، واعتبروا أن ضلوع عرفة (الذي يرمز إلى العلم) في قتله – دون قصد – هو دليل على اعتناق الكاتب لنظرية (موت الإله) التي تبناها الفيلسوف الألماني نيتشه. وشخصياً لا أوافق على هذا التأويل وذلك لسببين:
    أولاً: لأني أرى أن الجبلاوي هو رمز للدين، وليس لله (عز وجل)، وبالتالي فالكاتب يقصد بهذا الصدام بين الدين والعلم، وأن اعتماد الكثير من الناس على العلم المُجرَّد قد أدى لابتعادهم عن الدين، وهذا شيء معروف للجميع، وبالتالي فالكاتب لم يُخطئ في تصوير هذا الصراع.
    ثانياً: أن الكاتب خلال سرده للرواية لم يتناول شخصيات جبل ورفاعة وقاسم (الذين يمثلون رموز الأديان السماوية الثلاثة) بسوء، بل منحهم كل صفات الخير والمروءة، فلو كان قصد الرجل سيئاً تجاه الدين لأضفى عليهم صفاتٍ خبيثة.

    وجُملة القول: فإن رواية (أولاد حارتنا) هي إحدى أكثر الروايات العربية تفرُّداً وإبداعاً وإثارةً للجدل في تاريخ الأدب العربي كله، واستحق عنها محفوظ جائزة نوبل للأدب.

اترك تعليقاً

كتب نجيب محفوظ

مقالات متعلقة

wpChatIcon
wpChatIcon
الرئيسية
حسابي
كتب
كُتاب
متجر