الطريق

نبذة عن الطريق

صفحات نجيب محفوظ عرفت بحب الأحياء والشوارع والأماكن، تربطها بتاريخ البلاد والعباد، ويأتي ذلك في إطار فلسفي، يحمل الكثير من الرموز والإسقاطات لمناقشة أفكار وجودية حول تاريخ البشرية، ومع هذا حرص نجيب محفوظ على تقديم روايات إجتماعية تناقش مشكلات المجتمع بشكل بسيط وعميق بذات الوقت، ف رواية الطريق من أكثر رواياته انتشارا في الوسط الثقافي والجماهيري على حد سواء.

تحكي رواية الطريق عن امرأة قوادة جمعت ثروة كبيرة تحاول بها توفير حياة ناعمة لولدها الوحيد صابر، وكذلك تأمن له مستقبله بعد موتها ستتركه بلا علم ولا صنعة، فعلا هي صاحبة بصيرة ابنها لا يقوى على الحياة بدونها هي وثروتها، لكن تأتي الحياة بما لا تشتهي السفن، فقد تم إلقاء القبض عليها وأقعدها المرض والسجن ومصادرة ثروتها وهي بالخمسين من عمرها.

خرجت من السجن واكتشفت أن كل شيء حتى شقة النبي دانيال تم مصادرتها، لم يبقى إلا صابر والسمعة السيئة تطاردهم، فأصبح يعير بأمه، نهرته والدته بقوة ووضحت له أن مهنتها جعلتها ترى البشر وهم في أحط أوضاعهم، مجردين من الثياب والأخلاق، وأنها استمرت في مهنتها بفضل أمهات وزوجات من يعيروه، فلولا أن أمهاتهم بغايا وزواني لما بقيت القوادات، عزيزي القارئ هذه فلسفتها الخاصة في الحياة فلا تصدم، بالنهاية هي قوادة وهذا فكرها الذي رسمت به طريق صابر.

منذ الصغر أقنعت صابر أن والده قد مات، اليوم وقد أوشكت على الوفاة وخسرت أموالها، قررت أن تصارح صابر بالحقيقة أن والده على قيد الحياة وثري، ويعيش بالقاهرة، وطلبت منه أن يسير بهذا الطريق، حتى يجد والده ويعيش بكنفه ويتولى الصرف عليه عوضا عن والدته، رجل تزوجته منذ ثلاثين عاما، وقتها كان مجرد طالب جامعي، ومع هذا دانت له الناس من أجل ثروة عائلته وسيطها، وضعها بقفص من ذهب عاشت به سنوات،

بالنهاية هربت وهي حامل مع بلطجي، كيف ظنت لزوج لم تره من ثلاثين سنة أن يعترف بابن لا يعرف هو عنه شيء لزوجة هاربة!، اعتمدت على ورقة الزواج وصورة الزفاف، والشبه الشديد بين ابنها شديد الوسامة ووالده، وشهادة الميلاد الخاصة بصابر وتحمل اسم والده، يتعجب ابنها من كل شيء،

تظن أن ركن من أركان البيت علم بما سيقع فاحتفظ بالأوراق لتصبح المخرج الوحيد، مرة أخرى توضح فلسفتها في الحياة، أنها اعتبرت ابنها ملكها واستثمرت به، واليوم لابد أن تتنازل عن ملكيتها له لأنها لم تعد جديرة به، فلم يعد أمامه إلا أن يصبح قاتلا أو بلطجيا أو قوادا، ووالده وثروته المنقذ الوحيد

يرى النقاد أن الطريق الذي رسمته القوادة لصابر هو الطريق المقصود من تسمية الرواية، أما أنا فأرى أن هذا ليس الطريق الوحيد بالرواية، فقد نزل صابر للقاهرة بعد وفاة والدته بحثا عن والده، وقابل أمرأتين واحدة طمأنت قلبه والأخرى أشعلت رغبته، فتفرع الطريق لطرق أخرى، فالأشخاص الذي نقابلهم بحياتنا طرق وممرات، أغلبهم الطريق إلى جهنم، والقلة طريق إلى النور، والغريب أن الطريق إلى جهنم دائما سهل ممهد، أما طريق النور يحتاج للجهد والصبر والمثابرة، ولعل اسم البطل صابر يعني الصبر على مشقة الطريق.

تقع جريمة قتل غامضة برواية الطريق تكشف لنا أهم الدوافع الإجتماعية للجريمة، استمتع ياصديقي لأبعد حد بالرواية الصغيرة نسبيا، أدهشتني تقة القوادة بنفسها، وتوليها مقادير الأمور فتوجه الحياة والرواية وفقا لرؤيتها الفجة التي أذهلتني، جدير بالذكر أن رواية الطريق تم تحويلها لواحد من أجمل أفلام السينما المصرية بطولة رشدي أباظة وشادية وسعاد حسني وتحية كاريوكا.