اللص والكلاب

نجيب محفوظ

بعد أربع سنوات من السجن، يخرج سعيد مهران ليجد عالمه قد انقلب رأساً على عاقباً، فقد خانه أقرب الناس إليه، فيبدأ رحلة مثيرة تحمل راية الإنتقام...

احصل علي نسخة

نبذة عن اللص والكلاب

في كتاب اللص والكلاب بعد أربعة سنوات قضاها فى الظلام بين جدران السجون بسبب ارتكاب سرقة، يخرج بطلنا “سعيد مهران” أخيراً إلى العالم وهو مشبع بروح الشر والإنتقام من كل من خانوه وطعنوه في ظهره ، باحثاً عن عدل يراه ضائعا فى عالم عبثى امتلأ بالظلم والفساد ، لذلك أطلق على كل أعدائه فى ذلك العالم لقب الكلاب و قرر أن يصِدهم جميعاً… وبدون أى مقدمات يأخذنا نجيب محفوظ بسرعة إلى داخل الرحلة المثيرة لسعيد مهران من أجل الإنتقام.

يخرج سعيد من السجن ليجد عالمه قد تغير بأكثر من طريقة. لقد مرت مصر بثورة ، وعلى المستوى الشخصي أكثر ، زوجته “نبوية”، و “عليش” أحد اتباعه الذي كان يظن سعيد انه مُخلص له، بعد أن تآمرا على خيانته و تسليمه للشرطة ، تزوجا من بعضهما و يبعدان ابنته البالغة من العمر ست سنوات عنه.

فى رواية اللص والكلاب يُحدثك البطل عن الخيانة ، وأنها ليست فقط خيانة الشرف و لكن لها جوانب أخرى عديدة مثل خيانة الكلمة و خيانة المبادئ، يُحدثك عن هؤلاء الذين زيفوا الأصول و حققوا الثروة و النجاح على حطام الآخرين و أحلامهم مثل صديقه الصحفى “رؤوف علوان”
رجل ثوري قد أقنع سعيد أن السرقة من الأغنياء في مجتمع ظالم هو عمل من أعمال العدالة ، لكن بعد خروج سعيد من السجن أصبح رؤوف الآن رجلًا ثريًا ، محررًا محترمًا في صحيفة كبيرة ولا يريد أن يكون له أي علاقة بسعيد… فأصبح فى نظر سعيد واحداً من أولئك الكلاب الذين يسعى لصيدهم .

يجول بقلب كالبركان ملئ بالغضب و نيران الإنتقام لم يبق فيه سوى جزء صغير ما زال نقياً يبحث عن طفلته الصغيرة التي تركها مع أمها الخائنة “نبوية” وفى أحضان عدوه “عليش”. يرغب سعيد في ضم ابنته لحضنه من جديد ، و فى أثناء رحلته للانتقام يلتقى ب نور ابنة الهوى التى طالما أحبته و رغبت فيه فيجد فيها ملجأه و كنفه الوحيد ، فيحيا فى قلبه العشق من جديد بعد أن كان قد تأكد من قتله طوال أيامه فى السجن.
لأجل كل ذلك خاض معاركه و محاولاته ونصب نفسه قاضياً لإحقاق العدل و الإنتقام ، فى كل ليلة و فى كل لحظة يردد بصوت عال أسماء أعدائه نبوية و عليش و رؤؤف و كل كلب من أولئك الكلاب الأوغاد و يتوعدهم جميعا، فهل نجح فعلا فى تحقيق هدفه ؟ أم خضع واستسلم لنهايته؟

يتحول سعيد لرجلاً مطاردًا مدفوعًا بالكراهية؛ رغبته الشديدة في الانتقام من الذين خانوه حملته إلى مرتفعات وأعماق مجتمع القاهرة خلال السنوات الأولى من ثورة ١٩٥٢، لدرجة أنه لا يستطيع إلا بعد فوات الأوان إدراك فرصته الأخيرة في الخلاص.

حكاية تحكمها الإثارة في الشكل ، والتحليل السياسي والأخلاقي من حيث الجوهر.

الرواية أيضا تعرض فى بعض أجزائها جوانب من الجو الصوفى و أناشيده الهادئة فى بيت الشيخ الجنيدى و التى شكلت قديماً جزءاً من شخصية البطل الثائر ، و طالما أحب محفوظ أن يستخدمها بطريقته الخاصة أروع استخدام.

رواية اللص والكلاب مأخوذة عن واقعة حقيقية بطلها السفاح الشهير محمود أمين سليمان الذى ملأت أخباره الجرائد و الصحف وقتها وجذب انتباه الناس و الرأى العام ، و كان نجيب محفوظ من أشد المهتمين و المتأثرين بأخباره و استلهم منها مادته الأدبية فجمع ما بين الواقع والخيال ليطرح مجموعة من الأسئلة الوجدانية حول العدل و الظلم و الإنتقام.

كيف كان منشورنا؟

دوس على النجمة لمشاركة صوتك

متوسط التقيم 0 / 5. عدد الاصوات 0

لا يوجد تصويت

تعلقات على "اللص والكلاب"

  1. Esraa Raslan يقول Esraa Raslan:

    ” ما اجمل ان ينصحنا الاغنياء بالفقر”
    اللص والكلاب روايه صدرت عام 1961 مكتبه مصر وحولت الى فيلم سينيمائى عام 1962 للكاتب نجيب محفوظ اول اديب عربى حصل على جائزه نوبل فى الادب فسمى “اديب نوبل ”
    يأخذنا الكاتب الى الفلسفه الوجوديه الذهنيه حيث يناقش فكره العبث والموت والانتقام واعاده العدل الضائع
    فتدور الاحداث بعد خروج “سعيد مهران” من السجن بعد ان غدر به صديقه ووشى به وادخله السجن واخذ زوجته بل واخذ ماله ومكانته وسط الناس فيخرج سعيد وفى قلبه نار الانتقام والشر الى العالم الذى تغير فيه العيد من الاشياء خلال السنوات التى قضاها فى السجن ولكن رغم كل الحقد فى قلبه اراد فقط ان يستعيد ابنته التى لم تتعرف عليه بعد خروجه من السجن فيجول سعيد هائما فى الحياه لا يعرف من اين سوف يبدأ فيذهب الى صديق قديم “رؤوف علوان” قد نصحه يوما ما عندما كان يعمل سعيد مكان ابيه فى منزل الطلبه بأن السرقه من الاغنياء امرا محللا فأخذ سعيد بالنصيحه وامتهن السرقه ولكنه الان اصبح صحفيا شهيرا من طبقه الاغنياء فزاره سعيد فى بيته ولكن تلك الزياره زادت من الغضب بداخل سعيد وعرف بعدها ان الخيانه ليست خيانه الشرف فقط بل خيانه المبادئ واعتلاء على حساب احلام الاخرين اليس ذلك الرجل الثورى الان هو رجل ثرى محترم لا يريد ان يكون له علاقه بسعيد
    الى ان وجد ملاذه مع فتاه ليل تدعى “نور” فأخذته ليعيش فى بيتها فكان سعيد ينسى لوهله ما جرى له ولكن سرعان ما يعود للانتقام مره اخرى وفى طريقه للانتقام كان يقتل ابرياء فلا يحقق هدفه ولا يستطيع ان يثبت العدل وينتقم من الكلاب الذين خانوه فيتحول سعيد الى رجل مطارد مطلوب للعداله وعلى الرغم من ذلك الامر يستمر سعيد فى عناده وسماع صوت قلبه فى الانتقام ورغبته فى استرجاع ابنته والانتقام من رؤوف الذى تعالى عليه وعامله وكأنه شحاذ فيأخذنا الكاتب الى دائره الانتقام وسريان الاحداث فى اول ثوره 1952 فى جو من الاثاره وفى النهايه ينتهى عبث الانسان مهما ركض وراء الامور وظن انه مسيطر عليها الا بمشيئه الله تعالى

  2. Ahmed Samy يقول Ahmed Samy:

    نعرف أن نجيب محفوظ كتب روايته اللص والكلاب متأثرًا بما جرى لمحمود أمين سليمان، اللص القاتل الذي شغل الناس والجرائد سنة 1960. السنة السابقة لظهور الرواية مسلسلة في جريدة الأهرام. إلا أن محفوظ كتب قصة فلسفية تعرض قضايا العدمية، والعبث، والموت، والبحث عن العدالة في ظل صمت السماء. أشياء حاضرة في رواياته باستمرار.

    وأنا أكتب عن اللص والكلاب لأن هذه القضايا تشغلني بالمثل. حتى أنني أجد في سعيد مهران، الشخصية الرئيسة في الرواية، أحد أكثر شخصيات الأدب إثارة للاهتمام. فالأزمة المستحوذة عليه تتجاوز حدود شخصه، بل وزمانه، ومكانه جميعًا.

    ولست أتجاهل إمكان فهم سعيد مهران من الناحية النفسية. غير أن أزمته النفسية فكرية في أساسها. ولا أنسى أيضًا أن آخذ مسألة الخيانة بالاعتبار. يدخل الرجل السجن غدرًا، ضحية مؤامرة صبيه عليش وزوجه نبوية. وحين يخرج من سجنه تنكره صغيرته سناء. ولا تقف الخيانة عند هذا، فأستاذه القديم، الصحفي رءوف علوان، والذي علمه “أليس عدلًا أن ما يؤخذ بالسرقة، فبالسرقة يجب أن يسترد؟” أصبح واحدًا من هؤلاء الذين كان يحرض على سرقتهم. بل ويتخلى عنه أستاذه، فتكون خيانة أكبر من خيانة نبوية وعليش.

    أظن أن دراما سعيد مهران، كما رسمها نجيب محفوظ، لا تكتمل دون رءوف علوان. كما لا تكتمل دون الشيخ على الجنيدي الذي كان أبو سعيد من مريديه، ولا دون نور التي ستمثل عند نقطة ما خلاص سعيد مهران الذي لا يتحقق. نور بائعة الهوى التي تحب سعيد حبًا غير مشروط، بل وتتحمل منه قسوة القلب.

    سأركز فيما يأتي على مسألتين اثنتين:

    1.    العدمية الأخلاقية التي تفرضها أفكار رءوف علوان، وكذلك التوتر الحاضر خلل الأحداث بفعل المقابلة التي يصنعها نجيب محفوظ بين رءوف من جهة والشيخ الجنيدي من الأخرى.

    2.    العبث الذي يصر سعيد على قتله فيمن يريد أن يقتل.

    العدمية الأخلاقية

    ترتبط العدمية بموت الإله، أو “إن الله قد مات ونحن قتلناه” كما يعلن زرادشت في الرواية الفلسفية الشهيرة (هكذا تكلم زرادشت) التي كتبها فريدريك نيتشه. يفكر البعض في هذه العبارة وكأنها إعلان انتصار. ومنهم من يتندر في سخافة فيعقب: “لكن نيتشه هو من مات” وكأن نيتشه أدعي أنه لن يموت!

    أظن حال نيتشه في الحقيقة من حال إيفان كرامازوف من رواية (الأخوة كرامازوف) لديستويفسكي. يقول إيفان: “إذا لم يكن هنالك إله، فكل شيء مسموح”. ويرى ألبير كامو أن هذه العبارة ليست تعبيرًا عن ارتياح أو غبطة، بل هي اعتراف مرير بالحقيقة. هكذا يقدم نيتشه بدوره اعترافًا مريرًا بالحقيقة التي انتهت إليها العقلانية الحداثية. العدمية الناتجة عن موت الإله بتعبير نيتشه أصلها العقلانية الحداثية إذًا. ولهذا نجد نيتشه وديستويفسكي من بين  آخرين يتصدون للعدمية وبالتالي للعقلانية، كل بطريقته.

    إننا لا نجد في اللص والكلاب ما يشير صراحة لهذا، لكن لنتأمل فلسفة رءوف علوان التي نعرف ملامحها من خلال ذكريات سعيد: “الشعب .. السرقة .. النار المقدسة. الثورة .. الجوع .. العدالة الذاهلة”. وأيضًا: “المسدس أهم من الرغيف يا سعيد مهران، المسدس أهم من حلقة الذكر التي تجري إليها وراء أبيك”.

    القوة هي ما يقدسه رءوف. وليست القوة كتلك التي يدعو إليها نيتشه، أي قوة الفرد في تجاوز ذاته، بل القوة التي نراها في أفعال رسكولنيكوف، شخصية رواية (الجريمة والعقاب) لديستويفسكي، حين يقتل العجوز المرابية، وهو يجد لنفسه برهانًا عقليًا يبرر ذلك. القوة التي يدعمها المنطق. فكر في الشيوعية كمثال.

    يمثل رءوف علوان العدمية، منطق القوة، فمن يمثل البديل؟ تقدم لنا الرواية بديلان. أولهما الشيخ الجنيدي، الإيمان الصوفي (اللاعقلاني). القفزة كما يراها سورين كركغارد. علوان والجنيدي رمزان يتردد بينهما سعيد. يناقض أحدهما الآخر كأشد ما يكون التناقض. لكن سعيد يستجيب لرءوف “تدرب واقرأ” ولا يستجيب للشيخ “توضأ واقرأ”. الرجل الذي يصف نفسه بأنه “يطير في الهواء كالصقر … وينفذ من الأبواب كالرصاص” يؤمن بالقوة، والزعامة التي تفرضها القوة، ولا يؤمن بسلام الشيخ.

    البديل الثاني نور التي تكاد تخلص سعيد بالحب. ولا يسعني أن لا أفكر في صوفيا سيمينوفا، الحب الذي يخلص رسكولنيكوف، وكلتيهما -صوفيا ونور- عاهرتان. وكأن ذلك يعلمنا درسًا عن الحب وعن الخلاص.

    يبقى أن نقف مع خيانة رءوف لأفكاره، ولعل في ذلك إشارة للمثقفين الشيوعيين الذين يتحدثون باسم الشعب، والثورة، وأحلام الجماهير. حتى إذا ما وصلوا إلى غايتهم، السلطة، استبدوا بالشعب، وهزئوا بأحلامه. منطق القوة إذًا منطق انتهازي.

    لكن السؤال بالغ الإلحاح: ألا يحق للمرء أن يقاوم؟ ألا يحق للفقير أن يسرق متى دهمه الجوع، واستبدت به الحاجة؟ أمام هذا السؤال أجدني أقر: بلى يحق للمرء أن يقاوم. لكن ليس له أن يفترض امتلاكه الحقيقة، كما هو حال بعض المثقفين، وليس له أن يتخذ من حقيقته هذه مبررًا ليفعل ما شاء.

    العبث

    “فالرصاصة التي تقتل رءوف علوان تقتل في الوقت نفسه العبث. والدنيا بلا أخلاق ككون بلا جاذبية. ولست أطمع في أكثر من أن أموت موتًا له معنى”.

    تلخص عبارة سعيد مهران موقفه العبثي. يرى الرجل وجه العبث في الخيانة، وفي نكران ابنته أياه. ولعله يراه أكثر ما يراه في صمت السماء، وفي العدالة الغائبة، وفي انتقامه الذي لا يتحقق. يراه في الأبرياء اللذين يذهبون ضحايا انتقامه دون ذنب منهم: شعبان حسين الذين يسكن الشقة مكان عليش ونبوية، وقد غادرا فلم يعلم أحد إليهم سبيلًا. قتله سعيد وهو يحسب أنه يصوب على عليش. وخادم رءوف الذي قتله بالخطأ حين أراد برصاصه رءوف علوان نفسه. حسنًا، إنه يفترض في دفاعه، حين يتخيل محاكمته بينا هو وحيد في شقة نور، أن جريمة الخادم أنه خادم رءوف علوان.

    يرى العبث أيضًا في الموت المحدق به. في المقابر التي تفتح عليها نافذة في شقة نور حيث يختبأ. في الجنازات التي توصل الموتى لمساكنهم، ثم يتفرق الناس كأن الموت لم يكن. لكن لا شيء يماثل عبثية رغبته في قتل العبث. إذ العبث هو الصفة المميزة لوجودنا. العلاقة بين الإنسان والعالم كما يصورها ألبير كامو، الذي يعرف “ما يريده الإنسان، وما يقدمه العالم”.

    الانتقام يطارد سعيد مهران، كما يطارد هو ضحاياه، وكما يطارد العبث كل شيء. وسيتجسد في موته، موت لا معنى فيه. لكن أين ذلك الموت الذي نجد فيه المعنى؟ هنا تصل العبثية ذروتها، فليس لرغبته في موت ذي معنى أن تكون بحال.

    رفض سعيد الهروب، أو راح يرجئه حتى يحقق الانتقام، كأنه يرفض الخلاص أو الأمل. ورفض اللجوء إلى سماء الشيخ. وبقى مع عبثه حتى النهاية. “وقالت حياته كلمتها الأخيرة بأنها عبث”. وتمت الرواية بذلك.

  3. (من يَقتلُني انّما يقتل الملايين، أنا الحلم والأمل وفدية الجبناء، وأنا المثل والعزاء).

    في عام 1960، ابتلعت أحاديث المجتمع المصري قِصة محمود أمين سليمان. الذي خرج من السِّجن متعهّدًا بالإنتقام، وتم القبض عليهِ بعد مطاردة طويلة، وكأي مجتمع ابتلع قِصّة تداولها أيام، ثم ألقاها ليلتفت لحياته، لكن هذا عادة لا يحدث مع المبدعين عامةً، (نجيب محفوظ) الذي شعر أن القِصّة تناديه؛ لأنها تحمل بين طيّاتها الكثير ممّا يعيشه المجتمع في فترة ما بعد الضباط الأحرار، ليخرِج (محفوظ) لنا رواية الإبداع والجمال والإتقان الروائي… (اللِّص والكلاب).
    صدرت الرواية عام 1961، لتعرِّف الجميع أن (نجيب محفوظ) هو أديب نوبل حتى لو لم يَحصل على نوبل.
    يجاهد الكاتب طوال رحلته ليجعل اسمه أكبر من اسم روايته، وهذا ما أشعرني به دومًا (نجيب محفوظ) حين أجد اسمه بارزًا باللون الذهبي، وكأن الكتاب يقول لي: (اشتريني ليس لأني رواية جيدة، بل لأن نجيب محفوظ أفضل روائي عربي. بالتأكيد ستحصل على رواية عظيمة)، وهكذا لم تخيب أي رواية لـ(نجيب محفوظ) ظنِّي أبدًا.
    سعيد مهران، يخرج من السِّجن بعدما زجَّ بهِ أربع سنين غدرًا، خرج وهو يعرف أن الأربع سنوات لن يَحس بألمها أحد إلّا هو، وهم أيضًا لكن بعدما يغرِّمهم عذابًا. والسؤال الذي ألحّ عليه (نبوية عليش، كيف انقلب الإسمان إسمًا واحدًا؟)، وهو الذي أحب نبوية مذ التقاء العيون وهمسات الكلام، وعليش فتاه الذي ادّعى الإخلاص ورماه بالسجن لكنه عاد وسينتقم. انها الحارة كما هي، الغبار الخانق يلفُّ المكان. يظن أن زيارته لإبنته قد تخفف أعباء الإنتقام إذا ضمّها له، لكن ابنته تدعي (عليش) بأبوها، ولا تعرف حتى من هو (سعيد مهران).
    يذهب لصديقه العزيز (رؤوف علوان)، الصديق الذي أبحره في عالم الإجرام واللصوصية، ليعلم بأن (رؤوف علوان) ليس هو صديقه الذي يعرفه، وليس إلّا كائنًا إستغلاليًّا، وأنّه بهذا قد انضمّ لجماعة الكلاب الذي سينتقم منهم (سعيد مهران)، وحين يذهب لمقهى المعلم (طرزان) ويقابل هناك (نور) حبيبة العمر، يسرق سيارة بمساعدتها، ويذهب لمنزل عليش وهو عازمٌ على الإنتقام، وجهّز خطةً محكمة، لكنه قتل عن الخطأ رجلٌ بريئ، ليجد نفسه مطاردًا مجددًا كما كان قبل ذلك، ويجد أن صديقه (رؤوف علوان) يهاجمه ويحرِّض عليه الشرطة، وينسب أخبارًا له، ليسمى بالسّفاح. ويتعرف على (نور) التي طالما أحبته وهو كان في محبّةِ (نبوية) الخائنة، (نور) التي تضحِّي بكل شيء لأجل (سعيد مهران)… يظل سعيد مهران مطاردًا، يقتل في مطارداته رجال شرطة، ويختبئ قليلًا عند الشيخ الجنيدي، ووقليلًا في شقة (نور)، لكن الكلاب تشتم رائحته، وتعرف أنّه هنا في مكان ما، يطلق النار ويحاول الهرب من الكلاب، لكنه سرعان ما يستسلم (بلا مبالاة).
    هذا ملخَّص بسيط ساذج لرواية ليس لها ملخَّص، لأن أحداثها مترابطة، متكاثفة، ككيان واحد، لا إفراط فيه وبالطبع لا نقصان.
    لماذا هذه الرواية من أبدع وأكثر روايات (نجيب محفوظ) عبقرية؟ لماذا أُشيرت لها عند حصوله على نوبل؟ لماذا تدرَّس الآن في مناهج دراسية لدول عربية مختلفة؟
    ببساطة لأنّ (نجيب محفوظ) كاتبها.

    بالطبع ليس هذا وحده؛ فيعود ذلك لعدّة عوامل:
    1- قدرة (محفوظ) على صياغة حادثة حقيقية وتحويلها لعمل روائي متقن يستعصي اخراجه من الواقع وأحاديث العامّة، ويخرج لنا بقصّة تناقش مواضيع فلسفية وجودية وعدمية وعبثية.
    2- (محفوظ) جعل أسلوب روائي جديد والذي سمّاه النُّقاد (المدرسة الواقعية النقدية).
    3- وهو بأنه اقتدر بتوضيح حال المجتمع المصري آنذاك، وحالة اليأس والبحث الدائمين للذات المصرية.
    4- بأنها رواية تجسّد الواقع، الشاب المثقف الفقير، العالم الإنتهازي المليئ بالشرور، والكلاب.
    5- بأنها رواية نفسية تدور كلّها في دهاليز نفس (سعيد مهران) والتي تمثل النفس الإنسانية بطريقةٍ ما.
    6- أنها تتحدث عن الشعب بأكمله، الذي يمثّله (سعيد مهران)، وفي هذا حين قال (محفوظ) على لسان (سعيد مهران): (إنما من يقتلني يقتل الملايين، أنا الحلم والأمل وفدية الجبناء، أنا المثل والعزاء)، وحين استرعت انتباهي لفظة (ملايين) أدركتُ أنه يتلكم عن الشعب المصري تحديدًا؛ لأن تعداده وقتها كان ملايينًا، ولم يَقل مثلًا (من يقتلني يقتل الآلاف) مع أنها الأنسب لو يتكلم على لسان كل المجرمين المصريين.

    اللا حرية، ثم الحرية، ثم اللا حرية… السجن، ثم الخروج منه، ثم المطاردة… ما قبل الإنسان، الإنسان، الموت… قد تكون تلك وجهة نظر ساذجة لكني أراها مرضية لي.
    الصوفية، التي حاول (نجيب محفوظ) التكلُّم عنها كثيرًا في أعماله، ولكن في تلك الرواية تحديدًا فقد كان الصوفي صاحب التأثير الكبير على (سعيد مهران) هو الشيخ (الجنيدي)، الذي يتكلم طول الرواية بصيغةٍ مبهمة، كانت تزعج في كثير من الأحيان (سعيد مهران)، وفي جزء يلتجئ فيه (سعيد) للشيخ (الجنيدي):
    _ضعف الطالب والمطلوب.
    _ لكنّك صاحب البيت!
    _صاحب البيت يرحب بكل مخلوق، بكل شيء.
    فابتسم سعيد متشجَّعًا، فاستدرك الشيخ قائلًا:
    _أما أنا فصاحب لا شيء.
    في رواية (اللَِّص والكلاب) شيئًا لم تجدهُ في أي رواية أخرى وهو الدخول في دهاليز المجتمع الإجرامي، فـ(نور) التي يعاملها (سعيد مهران) على أنها انسان طبيعي وهي في نظر المجتمع ساقطة من المبادئ والأخلاق. والتعبير المتقن الذي أجاده (نجيب محفوظ) بأنه تكلّم بصيغة (الرّاوي العليم)، وفي نفس الوقت أشعرك بأن الرواية هي تقال بواسطة (سعيد مهران) المجرم المارق.
    انّها رواية فلسفية، وفي الوقت نفسه تعطي العنان لعقل يرى الأحداث بعينٍ مختلفة، وفي نفس الوقت تدرس دهاليز الإجرام والعالم اللصوصي، وفي ذات الوقت تؤرِّخ فترة مضطربة في تاريخ مصر إثر حكم الضُّبّاط الأحرار.
    انها رواية عظيمة، من الناحية النقدية، والتعبرية، والروائية، ويكفي كونها عمل أدبي لـ(نجيب محفوظ).

اترك تعليقاً

كتب نجيب محفوظ

wpChatIcon
wpChatIcon
الرئيسية
حسابي
كتب
كُتاب
متجر