حكى الرواية عن السيد أحمد عبد الجواد، الملقب ب"سي السيد" و هو رب أسرته مستبد ، يطالب بطاعة تامة لا جدال فيها من زوجته أمينة وأبنائه ياسين وفهمي وكمال ، وبناته خديجة وعائشة.
احصل علي نسخةتحكى الرواية عن السيد أحمد عبد الجواد، الملقب ب”سي السيد” و هو رب أسرته مستبد ، يطالب بطاعة تامة لا جدال فيها من زوجته أمينة وأبنائه ياسين وفهمي وكمال ، وبناته خديجة وعائشة. وجوده في البيت مصدر خوف ورعب لأفراد أسرته، فهو يصر على القواعد الصارمة للتقوى والرصانة في المنزل، على سبيل المثال نادرًا ما يُسمح لزوجته بمغادرة المنزل للحفاظ على سمعة العائلة.
ثم نرى التناقض عندما نتعرف على حياة السيد أحمد السرية، فهو يسمح لنفسه الملذات المحرمة ، لا سيما الموسيقى وشرب الخمر وإجراء العديد من العلاقات خارج نطاق الزواج مع النساء اللواتي يلتقي بهن في متجر البقالة الخاص به ، أو مع المحظيات الذين يستمتعون بحفلات الرجال في منازلهم بالموسيقى والرقص. بسبب إصراره على سلطة بيته ، تمنع زوجته وأبناؤه من التساؤل عن سبب بقائه في وقت متأخر من الليل أو عودته إلى المنزل في أوقات متأخرة.
تركز فصول الرواية الافتتاحية على الروتين اليومي لعائلة الجواد. حيث نرى أمينة ، تحيي عودة زوجها السيد أحمد في وقت متأخر من الليل. تنهض مرة أخرى عند الفجر لتبدأ في تحضير الطعام بمساعدة ابنتيها خديجة وعائشة. ينضم أبناؤها إلى والدهم لتناول الإفطار. في هذه الوجبة ، يتم الالتزام بآداب صارمة. تشرع الفصول اللاحقة في استكشاف شخصيات أفراد الأسرة ، ولا سيما علاقاتهم مع بعضهم البعض.
نتعرف على أسرة السيد أحمد، ياسين ، الابن الأكبر ، هو الابن الوحيد للسيد أحمد من زواجه الأول ، من امرأة تشكل علاقاتها الزوجية اللاحقة مصدر إحراج شديد للأب والابن. يشارك ياسين والده بمظهره الجميل ، كما انه يشاركه ذوقه في الموسيقى والمرأة والكحول ، فهو يقضي الكثير من الوقت والمال بقدر ما يستطيع على الملابس الراقية والمشروبات والعاهرات.
ثم نقابل فهمي ، الابن الأكبر لأمينة ، طالب حقوق جاد وذكي ، منخرط بشدة في الحركة القومية ضد الاحتلال البريطاني. كما أنه يتوق إلى جارته مريم ، لكنه لا يستطيع أن يتخذ أي خطوة نحوها.
خديجة ، الابنة الكبرى ، حادة اللسان والطباع، عاقدة العزم ، وتغار من أختها عائشة ، التي تعتبر الأجمل والأكثر قابلية للزواج.
عائشة ، في الوقت نفسه ، أكثر رقة ، وتحاول الحفاظ على السلام.
وأخيراً كمال ، طفل الأسرة ، فتى لامع يخيف عائلته بمصادقته للجنود البريطانيين الذين أقاموا معسكرًا في الجهة المقابلة لمنزل عبد الجواد. كما أنه قريب جدًا من والدته وأخواته ، ويشعر بخيبة أمل شديدة عندما تظهر احتمالية زواج الفتيات.
بين حياة السيد أحمد السرية ، قيام ياسين بتقليد والده ، رفض فهمي التوقف عن أنشطته السياسية رغم أوامر والده ، والضغوط اليومية التي سوف نعايشها في منزل عبد الجواد. لكن ها تبقى حياة السيد أحمد سرية؟ ترى ماذا سيحدث لهذه الأسرة عندما تكتشف أن الأب ديكتاتوراً فاسداً وأنانياً؟
بين القصرين هي الجزء الأول في ثلاثة القاهرة لنجيب محفوظ، صدرت عام ١٩٥٦، ثم صدر الجزء الثاني “قصر الشوق” عام ١٩٥٧، والجزء الأخير “”السكرية” أيضا عام ١٩٥٧.
من أفضل وأروع روايات نجيب محفوظ، وصارت علامة في الأدب العربي بل وفي الأدب العالمي كله الدال على واقع الحياة المصرية خلال فترة زمنية محددة.
1-موضوع الرواية:
من الصعب حصر مواضيع تلك الرواية في بضعة أسطر، ولكن قد نقول بأن موضوعها الأساسي نقل صورة حية وواقعية بشكل فلسفي وجودي للطبقة البورجوازية الصُغرى _المتوسطة_ خلال فترة زمنية مُحددة أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر وثورة 1919م، وتسليط الضوء على المُجتمع المصري في تلك الفترة من خلال عائلة أحمد عبد الجواد الشخصية الرئيسية في الرواية، والذي قد ترى زوجته أمينة تُلقبه بـ(سي السيد) في نوع من التذلل والطاعة العمياء.
وتُناقش الرواية مبدأ الاستبدادية والتسلط الشمولي ليس فقط في الأنظمة الحاكمة وإنما كذلك في داخل الأسرة، فعائلة “سي السيد” تتكون من سبعة أشخاص؛ أحمد عبد الجواد رب الأسرة، أمينة الزوجة المُطيعة التي لا ترضى مُخالفة زوجها في أي شيء، لأن طاعة الزوج دين ومُخالفته كما يقول هو: “كفر”، وخمسة أبناء وهم: ياسين ابنه من زوجته الأولى المُطلقة، وفهمي الشاب الواعي المُثقف، وكمال أصغرهم، وخديجة، وعائشة. ونرى أن الخمسة مثل أمهم يخضعون تحت إمرة رب البيت الغشوم العصبي مُتقلب المزاج، الذي لا ترتسم على وجهه أيُ ابتسامة طول وجوده داخل البيت، دائم العتاب والنقد لزوجته وأبنائه، يهوى دكّ طموحات وأحلام صغيرهم قبل كبيرهم، وليس لهم سوى الطاعة العمياء!
ومع الأحداث يتضح للقارئ مدى تسلط ذلك الأب حيث نرى أنه يُزوج ابنته “خديجة” غصباً، كذلك فعل مع ابنه الأكبر “ياسين” حين زوجه غصباً، وليس لأي منهما أن يعترض أو أن يُبدي رأياً في ذلك الأمر، وأيضاً في تعامله مع زوجته “أمينة” والتي حرّم عليها الخروج من البيت ولو حتى للضرورة القصوى، فالمرأة في عُرف “سي السيد” وأمثاله لا تخرج من بيت أبيها إلى لبيت زوجها ثم إلى قبرها، وأما ما دون ذلك.. فلا وبل حرام، وقد يستوجب الطلاق إن خالفت هي ذلك، حتى أن المرة الوحيدة التي خرجت أمينة من البيت _وهي لا تعرف أحداً ولا مكاناً ولا حتى البقالة التي كان يملكها زوجها_ ذهبت إلى مسجد الحسين متوسلة للضريح أن يجعل زوجها يرضى عنها، وكاد “سي السيد” أن يُطلقها في تلك المرة!
ومع مرور الأحداث نجد أن ذلك الأب المتزمت ما إن يخرج من بيته حتى يخلع قناع التعفف ويرتدي قناع السهرة.. فتتحول شخصية “سي السيد” المواظب على صلاته في مواعيدها أمام عائلته إلى شخصية منهمكة في ملذاتها الجنسية مع بائعات الهوى، فقد خلع رداء التقوى ليرتدي رداء “المسخرة” كما يسميه زملاؤه في السهر. وما إن يُفضح وتتكشف حقيقته أمام أسرته إلا ويصل به الجبروت لحد العناد ورفض أن يُعاتبه أحد، فهو حر وله كامل الحرية، أما هم فتحت إمرته وفي طاعته وفقط.
ويظهر لنا مع تطور الأحداث تأثر الأبناء الخمسة بذلك الكبت الذي يغمرهم بهم والدهم، فيصير ياسين أكبر أبنائه نسخة منه، فقد تزوج مرتين ولم تدم له زيجة بنجاح، بل كان مصير الاثنين الطلاق، وصار مثل والده منهمكاً في ملذاته الجنسية. ونرى أن عائشة كفتاة يسير عليها ما يسير على أمها وأختها خديجة: أن لا خروج من المنزل إلا للعش الزوجية أو للقبر. نراها تُلاحق أحد الضباط ذوي الوسامة من الشرفة بنظراتها كل يوم، ونرى فهمي المُثقف الذي يدخل في قصة حب مع ابنة الجيران، فيتبادلان النظرات من الشرفة كل يوم.
ثم تأتي أحداث ثورة 1919م، وهنا يبدأ محفوظ بتسليط الضوء على الأوضاع السياسية في تلك الحقبة، فيوضح التصالح الحاصل أثناء تلك الثورة بين المنتمين لأفكار القومية من أتباع حزب الوفد وبين المُنتمين للأفكار الوطنية من أتباع فكرة عودة الخلافة الإسلامية، ورغم تأييد “سي السيد” للأصوات المُنادية باستقلال مصر إلا أنه يحاول منع ابنه المُثقف “فهمي” عن المُشاركة في تلك المُظاهرات بل ويحاول منعه من التعبير عن آرائه، فقط لأنه لا يريد ذلك، وعلى ابنه السمع والطاعة، ولكن تبدأ نواة التمرد الأولى تظهر إبان الثورة في تلك الأُسرة وتمثلت تلك النواة في الشاب “فهمي”، والذي يعصي رغبة والده ويقوم بمشاركة زملائه في أنشطتهم السياسية، ولم يستطع “سي السيد” ولأول مرة تقويض أحد أفراد أسرته، فتظهر مدى هشاشة وضعف أسطورة ذلك الجبار “سي السيد” من خلال ثورة الشاب “فهمي” على استبداد والده.
فكأن نجيب محفوظ لم يكتفي بتأريخ واقع المُجتمع المصري في صورة عائلة أحمد عبد الجواد “سي السيد”، بل وعكس لنا أيضاً صورة الواقع السياسي وقتها من انقسامات في صفوف الشعب المصري بين الوطنيين والقوميين ثم التصالح ما بينهما في 1919م في وجه الانجليز.
فالرواية تُناقش عدة قضايا اجتماعية وسياسية يطرحها فيلسوف الحارة “نجيب محفوظ” بين جنبات الرواية؛ كقضية المرأة، وقضية التسلط – ليس التسلط السياسي فحسب وبل الاجتماعي المُتمثل في صورة الأب أحمد عبد الجواد، والثورة ليست فقط السياسية بل والنابعة من داخل المُجتمع وداخل الأُسر كما حدث مع فهمي، وأن المُثقفين غالباً ما يكونون هم حملة راية التغيير والثورة والتمرد على كل راكد هش كما كان فهمي.
2-الاقتباسات:
ومن أجمل الاقتباسات تلك التي كان يسردها لنا الكاتب على لسان شخصيات روايته:
“كل إنسان ملوث في هذه الحياة، ومَن يزح الستار يرَ عجباً”.
“الجمال كالسراب لا يُرى إلا من بعيد”.