أفراح القبة

نجيب محفوظ

رواية مسرحية من الطراز الأول تحكي لنا عن أعضاء فرقة مسرح "الغد"، نرى حدث واحداً لكن من أربع زوايا، من ٤ وجهات نظر مختلفة لشخصيات الرواية...

احصل علي نسخة

نبذة عن أفراح القبة

هى العمل الثامن والثلاثون لنجيب محفوظ … استخدم نجيب محفوظ بها أسلوب جديد ومشوق كعادته وهو ” البوليفونية ” حيث قسم الرواية لأربعة أجزاء كل جزء يرويه واحد من أهم شخصيات الرواية ليظهر نفسه برئ القصة والمجنى عليه الوحيد ويظهر باقى الشخصيات جناة. شخصيات القصة هم طارق رمضان ممثل المسرح الثانوى الفاشل الذى يعيش بأموال النساء اللاتي يرافقهن ، كرم يونس ملقن الفرقة الذي يرى نفسه فى مجتمع كل من فيه ينافق، حتى أنه يتهم زوجته بذلك النفاق دائمًا ، حليمة الكبش قاطعة التذاكر وزوجة كرم يونس وهى تعد أفضل الشخصيات فهى تعيش طوال حياتها تدفع ثمن خطأ أجبرت عليه ولا يهمها أى شئ فى الحياة سوى أن تربى ابنها على أن يصبح ملاكًا ، وأخيرًا عباس كرم يونس ابن كرم وحليمة الذي يعيش طوال حياته يحلم بشيئين لا ثالث لهما أن يصبح عالمه مثالى بداية من أحلامه بالثورة وحرية بلاده وأن يصير مؤلفًا كبيرًا للمسرح فقد كانت تسليته الوحيدة هى القراءة ومشاهدة المسرحيات يوم الخميس …
يمكننا اعتبار بطل تلك الرواية عباس كرم يونس الذى يتحدث كل شخص منهم عنه فى كل جزء ولكنه يظل مبهمًا ويتركه نجيب محفوظ لآخر الرواية حتى يكشف لنا الحقائق ، يمكننا أيضًا أن نعتبر البطل هو مسرح ” الغد ” الذى يعمل به كل شخصيات روايتنا وتدور أحداث هامة به ، يمكن اعتبار بيت كرم يونس هو البطل الأساسى حيث يقضى كل شخصيات الرواية وقت به ، ويمكن أيضًا اعتبار الحلم هو البطل الأساسى لتلك الرواية كما اعتبره عباس كرم يونس بطل مسرحيته …
تبدأ الرواية على الطاولة التى تجمع سرحان الهلالى مدير المسرح ، سالم العجرودى المخرج ، فؤاد شلبى الناقد الفنى ، طارق رمضان ، درية بطلة المسرح ، وإسماعيل بطل المسرح … الجميع يستمع لسالم العجرودى يقرأ نص مسرحية ” أفراح القبة ” لعباس والتى تعد أولى مسرحياته … بعد الانتهاء من القراءة وفى ظل صدمة الجميع ، يهم طارق رمضان صائحًا بالحقيقة التى يعرفها كل من على الطاولة وهى أن المسرحية هى حياتهم وهى كل ما عاشوه ويتهم عباس بقتل زوجته ” تحية ” وابنه…
يرسم نجيب محفوظ الشخصيات سواء الأساسية – التى تقص نفس القصة ولكن من وجهة نظرها مع إضافة بعض التفاصيل لتأييد موقفها – أو الشخصيات الأخرى رسمًا متقنًا فيجعلنا نرى بهم أناسًا نعيش معهم و نقابلهم كل يوم ويجعلنا نرى بهم أنفسنا أيضًا … نتعاطف معهم أحيانًا ونرميهم بالسباب أحيانًا … كما أن استخدام أسلوب قص كل شخصية الحكاية من وجهة نظره بدلًا من استخدام أسلوب الراوي العليم جعلتنا نمتزج مع الشخصيات أكثر … جعلتنا نرى المسرح والبيت كمجتمع منفرد تنهار به كل القيم فيصل بهم التدهور إلى لعب القمار وشرب الخمر والمخدر واغتصاب العاملات بالمسرح …

كيف كان منشورنا؟

دوس على النجمة لمشاركة صوتك

متوسط التقيم 0 / 5. عدد الاصوات 0

لا يوجد تصويت

تعلقات على "أفراح القبة"

  1. رواة اربعة الممثل طارق رمضان والملقّن المسرحى كرم يونس مدمن مواطن عصرالانفتاح وزوجته حليمة الكبش والمؤلف المسرحى عباس كرم يونس مثالى جدا يسرد كل منهم حكايته حكاية مؤلمة دارت بين منزل قديم أقرب إلى الماخور وصالة القمار ومسرح يملكه سرحان الهلالى وتُجسد على خشبته وقائع هذا العار من خلال نص مسرحية كتبها عباس و تتناول أحداثها الحياة الشخصية لأفراد الفرقة نفسهم وتكشف بل تفضح تفاصيل وأسرار حياتهم وعلاقاتهم الشخصية الخاصة بما تخفيه من إنحطاط وفساد وعهر فعليهم أن يواجهوا فضائحهم السرية على خشبة المسرح وبشكل علنى أمام الناس زمن تجسيد المسرحية فى السبعينيات وبالتحديد بعد انتصار أكتوبر حيث عصر الانفتاح والبيع والشراء لكل شىء تقريبًا و تعود بناايضا إلى الستينيات وبعد ان يكتشف الممثلون أن أحداث مسرحيةأفراح القبة تدورحول شخصياتهم الحقيقية وأن مؤلف المسرحية يعرض أمامهم أسرارهم التي حدثت بالماضي يسعى الممثلون لإيقاف هذه المسرحية الفاضحة لهم لكن سرحان يُصر على استكمال العمل لكي يتطهر من آثام الماضي عمل يكون فيه الحلم الذي ينشده الجمهور البطل الحقيقي و صراع دائم بين الحلم و الواقع لينتصر الحلم

  2. في فقرة بعنوان “التمثيل على الناس” يحكي صلاح عيسى في كتابه هوامش المقريزي عن المسرح قائلا “أن الممثلين أخذوا يكتشفون زيف ما يقولون من كلمات, فيزدرون أنفسهم  ويتمرد بعضهم على المؤلف وما يضعه على لسانهم من عبارات. ويوما وقف ممثل وممثلة يقومان بدور عاطفي ساخن. كانت الممثلة تزدري زميلها وتكرهه لأنه يحاول أن يجبرها على حبه في الحقيقة. لكن دورها في المسرحية أجبرها أن تقول له عبارات من الغزل, ليهمس الممثل في أذنها مباركا المسرح الذي جعلها تتنازل عن كبريائها وتغازله. فتنفجر الممثلة قائلة للجمهور أن تلك الكلمات التي وجههتها للتو لهذا الفتى الغبي لا تعبر عنها, بل أنها تفضل العمى على حبه”
    على النقيض هنا.. نجد محفوظ في رائعته الجميلة أفراح القبة.. يصوغ نفس مشاعر الأبطال وجملهم الخاصة على المسرح.. يحاول من خلال الوسيط أو المؤلف الداخلي للرواية “عباس كرم يوسف” أن يكتب لكل شخصية من شخصيات العمل نفس دورها الذي أدته في الحياة لتعاد تأديته على خشبة المسرح…. ليتحول المسرح إلى شاشة عرض أو شاشة عاكسة تعكس حيوات الناس الحقيقة كما رآها عباس.. وتمضي بنا الرواية متساءلين هل كانت وجهة نظره آحادية الجانب صحيحة أم جانبه الصواب في نقلها.
    عباس كرم يوسف الشخصية الرئيسية في الرواية, مؤلف المسرحية الذي لم يعرف في حياته إلا الأبيض والأسود. الرافض طوال الوقت الاعتراف بالألوان الرمادية. غير مدرك لكون اللون الأبيض الغارق في الفضيلة المزعومة قد يحمل في داخله شر وكراهية تفوق ما تحمله بقية الألوان بما فيهم الأسود بكل قتامته, فمدعي الفضيلة لديه أسبابه التي تساعده على الكراهية والنبذ, واحتقار كل ما هو دونه.. البياض التام الذي رسمه محفوظ فيه نبرة من التعالي عكس بقية الألوان الرمادية التي تدرك وتعترف بوجود جانب مظلم في داخلها.. هذا الجانب بقدر إظلامه بقدر ما يساعد الأبيض على الظهور وخلق أسباب للحياة.. عباس قرر أن يحاكم الجميع في مسرحيته.. ناصبا لهم كل الفخاخ التي أودت بحياتهم إلى الخراب مدعيا أن هذا هو ما يستحقونه بالفعل.. هذا ما قدمته المسرحية المعروضة للجماهير بينما محفوظ المؤلف كان يشد القاريء من يديه ليترك جلسته المريحة بين مقاعد المتفرجين يأخذه ليختلس معه النظر عما يدور داخل الكواليس. فالحياة المقدمة للعرض ليست هي الحياة الحقيقية, ليست النسخة الأخيرة لازال بإمكان الممثلين أن يغيروا في الأحداث لو تُركت لهم فقط بعض الحرية. المسرح هنا لم يكن مسرح الحياة فحسب بل مكان مسرحا للحياة البشرية داخل كل إنسان بأوجهها المتعددة؛ وجه نعيش به ونصدره للآخرين ووجه نعيش داخله ندفن أنفسنا بأوجاعنا وطموحاتنا داخله.. هذا الوجه المخفي في الكواليس ممنوع من العرض. عباس قرر أن يعرض النفس البشرية من زاوية واحدة فقط.. بينما محفوظ أعطاهم بعض الحق للدفاع عن أنفسهم بعرض الحكاية من زواياهم المختلفة, تاركًا الحكم للقاريء.
    قدم كرم أمه حليمة كعاهرة, مستغلا حكاية قديمة تربطها بصاحب المسرح وظل حكاية جديدة فسرها حسب هواه. قدم أباه كإنسان شره للمال والأفيون فحسب .. قدم طارق رمضان بصفته صعلوكا يعيش من علاقاته المتعددة بالنساء. حاول أن يحاكم الجميع, وحين فشل في محاكمة نفسه قرر أن ينتحر, ليس كرها للحياة بقدر ما هو نوع من التسامي. كأن مخلوق ببياضه وطهارته لايجوز له أن يخالط بقية الخلق القذرة.. الانتحار هنا سواء داخل المسرح أو خارجه هو استمرار لفكرة الأفضلية والمثالية الخالصة التي اختارها المؤلف لنفسه.
    حاول محفوظ أن يترك مساحة ولو بسيطة لاستجلاء باقي معالم شخصيات العمل تاركًا لهم المساحة لتعرية أنفسهم بصدق .. كل واحد على حدا دون تأثر بالآخر .. مما أثار تعاطف القاريء مع باقي شخصيات العمل.
    تكنيك تعدد الأصوات في السرد هو أحد الأساليب المشهورة التي اتبعها محفوظ في أكثر من عمل منهم ميرامار على سبيل المثال . لكن السرد هنا كان أكثر وعيا.. ربما لأن أفراح القبة كُتبت في الثمانينيات وهو زمن متقدم إلى حد ما في كتابات محفوظ..نجد أن السرد هنا لم يمضِ كدائرة مغلقة على كل بطل بحكايته, بل كل الحكايات كانت تكمل بعضها البعض .. تقدم قطعًا مهمة لإتمام الصورة الناقصة في ذهن القاريء.لم يمض السرد هنا في مسار متوازي أو دائري فقط.. بل استمرت الدائرة في الدوران مع كل حكاية متخذة شكلا تصاعديا لا يعيق تقدم الأحداث.
    في هذا الرواية سنجد محفوظ يحاول تقديم المسرح كرمز للحياة بطبقيتها وتعدد شخصياتها.. كأنه يتساءل ما إحساسك لو فوجئت بنفسك وحياتك كاملة معروضة أمامك وعلى الملأ؟ وماذا أيضا لو كان هناك محض افتراء على تلك الحياة؟ هل سيتحول المسرح لإله؟ لساحة محاكمة؟ … من سيحاكم من؟ مؤلف سيحاكم ممثل؟ أم سيحاكم شخصيات حقيقية؟ وماذا لو أراد الممثل محاكمة المؤلف لأنه لم يقدم الحقيقة؟ أو لأنه قدم حقيقة قاسية ورطته هو نفسه بارتكاب جريمة قتل .. بالضبط كما ظل طارق ينادي بمحاكمة المؤلف لاتهامه بقتل تحية التي أحباها معًا, والتي حولها الموت لأيقونة الطهر التي لم يستحقها أحد من الموجودين

    بعد نجاح المسرحية وصدمة كرم يونس وزوجته بما قدمه ابنهمها عباس عنهما وصدمة طارق باعتراف المؤلف بأنه قاتل تحية وطفلها … يختفي المؤلف بعد كتابته رسالة يعترف فيها برغبته في الانتحار.. بالضبط كما قرر لنفسه في داخل المسرحية.. وكأن محفوظ يخبرنا على لسان مؤلفه أننا لو عرينا الجميع إلى تلك الدرجة المؤلمة لهلك الجميع ولما نجا منا أحدٌ أبدا.

  3. Omnya Samy يقول Omnya Samy:

           صراع الحلم والواقع 
    هذه هي المرة الأولى التي أقرأ فيها لنجيب محفوظ، وقد وقع اختياري على رواية “أفراح القبة” لأشارك بها في المسابقة، وفيما يلي عرض بسيط لمحتوى الرواية ولرأيي فيها.

    – “الدنيا شبكة من الهموم، وما أنا إلا غريق من الغرقى” نجيب محفوظ.
    يُعبر هذا الاقتباس عن محتوى الرواية، فكل شخص في هذه الحكاية غريق، فعباس يونس -مثلاً- غريق في المستنقع الذي وُلِد فيه وحاول تغييره، غريق في متاعب الحياة، أما شخص مثل سرحان الهلالي فهو غريق في شهواته التي لا يعرف غيرها في الحياة!
    انتهيت من قراءة هذه الرواية في جلستين، وفي ليلة ممطرة، وفي آخر صفحات الرواية توصلت إلى الحقيقة الكاملة التي كانت عاصفة مثل الرياح.

    – أثناء قراءتي للحكاية كما يسردها “طارق رمضان” تعاطفت معه، وشعرت أنه البطل هنا؛ لأنه جعلني أشعر بأنه الصادق الوحيد في هذه الحكاية التي لا يصدقه فيها أحد، الباحث عن الحقيقة الكاملة، الذي يريد للعدالة أن تأخذ مجراها بحبس المجرم “عباس” عقاباً له على خيانته وقتله لزوجته وطفله، هكذا سرد “طارق” الحكاية حتى كدت أصدقه، ولكن يوجد شك بداخلي يخبرني بأن الحقيقة ليست كاملة، ودفعني الفضول إلى مواصلة القراءة، ولولا الفضول لما حرك الإنسان ساكناً على وجه الأرض!

    -وها أنا أقرأ الحكاية لكن بسرد “كرم وحليمة” اللذان يؤكدان لي أن الحقيقة ليست كاملة، ويغيران وجهة نظري بالكامل عن “طارق” ليتجلى فساده كما تجلى فسادهما. 
    “كرم وحليمة” زوجان يعيشان مع بعضهما في “زنزانة” على حد قولهما، يمقتان بعضهما البعض على الرغم أن ما جمعهما هو الحب! غريب هذا القلب، كيف له أن يحب إنساناً بشدة، ثم يكرهه فجأةً أو مع مرور الأيام، هل يتقلب القلب في الحب، وإذا تقلب فيه هل يُسمى الحب حباً حينها، وفي هذا الوضع هل يكون الحب حباً حقيقياً أم مجرد حباً عابراً؟ هذه الأسئلة وأكثر تطرحها علاقة “كرم وحليمة”، لم أحب شخصية كرم وكذلك لم أستطع التعاطف مع حليمة، وكيف لي أن أتعاطف معها وهي امرأة مستسلمة للواقع القذر الذي تعيش فيه، مستسلمة على الرغم من علمها بأن هذا الواقع قد يُضيّع ابنها كما ضيّعها هي وزوجها! وأتساءل لماذا استسلمت للضعف والواقع منذ البداية، لماذا لم تثُر وتتمرد على كل هذا، هل بسبب خوفها؟ اللعنة إذن على الخوف الذي يمنع الإنسان من العيش بكرامة، ويجعله يدفن رأسه كالنعام! 

    – وها أنا أخيراً أقرأ الحكاية بسرد “عباس يونس” وتتجلى هنا الحقيقة الكاملة، “عباس” هو الشخص الذي استحق التعاطف والمحبة في هذه الحكاية -وابنه كذلك- وهذا ما حدث بعد عرض مسرحيته، أحبه الناس وتعاطفوا معه، وهذا ما حدث في الحقيقة أيضاً، فقد نشأ “عباس” في المستنقع لكنه خلق لنفسه مبادئ، لم يتعلمها من والديه وإنما تعلمها من الكتب والمسرح فحفظها وكبر معها، من طفل صغير مُحب للكتب والمسرح، إلى شاب مُحب للكتابة ويرغب في تأليف مسرحية، نرى محاولاته في إصلاح حياة من حوله، نرى محاولاته لتحويل هذا المستنقع إلى حديقة مُزهرة، الأمر أشبه بتحويل الجحيم إلى جنة! 
    أحب “تحية” وأنقذها من الضياع، في عالم كل من فيه ضائع! “تحية” تلك الفتاة التي تمردت على الواقع وعلى “طارق” وحلمت بحياة أفضل مع شاب -عباس- حلم دوماً بنفس الحلم، تكلل حبه لها بالزواج، وتأكد حبها له برغبتها في الإنجاب -على الرغم من عدم رغبته فيه نظراً لوضعهم المادي والعملي- وأثمر عن حبهما “طاهر”، البريء الوحيد في هذه الحكاية، يستمر “عباس” في السرد حتى اتضحت الحقيقة كاملة، وحينها وصلنا إلى النهاية، استطاع “عباس” أن يحقق حلمه في كتابة مسرحية، استوحاها من واقعه الأليم، فالمسرحية تجسد “كرم وحليمة، سرحان الهلالي، طارق رمضان، تحية وحتى المؤلف نفسه” وتجسد حياتهم -كيفما رآها المؤلف- ولكنه قد غيّر في حقائق الأحداث؛ مما دفع البعض للشك فيه، وفي حقيقة موت زوجته وابنه، لم يكترث “عباس” لكل هذا، وأبى أن يحضر مسرحيته التي حققت نجاحاً باهراً؛ حتى لا يكون في مواجهة مع أحد، فقد واجه الجميع بحقيقتهم -كيفما يراها هو- فرأى أنه لا داعي لمواجهة أخرى، فانعزل مبتعداً عنهم، واستطاع في النهاية على الرغم من كل ما حدث، وعلى الرغم من موت الحب “تحية” والأمل “طاهر”، أن يقف على قدميه مرة أخرى، متحلياً بأملٍ جاءه من حيث لا يعلم! 

    -“الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلا ممثلون على هذا المسرح” شكسبير. 
    الحياة مسرح كبير، به الأبطال الشجعان وبه الجبناء كذلك، به الأحرار والعبيد، الشرفاء وعديمي الشرف، القوي والضعيف، الظالم والمظلوم، ولكلٍ منهم حكايته التي يرويها، ولكلٍ منهم حقيقته، التي تظهر بيّنة حتى لو حاول إخفائها، الحقائق مؤلمة ويشقى من يعرفها، فقد صدق “المتنبي” حينما قال:
       ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
       وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم! 

    -الرواية جميلة ومشوقة، وأجمل الأعمال الأدبية -في رأيي- هي تلك التي تحتوي في جوهرها على قضية، والقضية هنا تدور حول الصراع بين الخير والشر، الإصلاح والفساد، الجمال والقبح، والحلم والواقع، فبطل الحكاية هنا هو “الحلم” كما ذكر نجيب محفوظ على لسان “عباس يونس”: “ليكن البيت القديم هو المكان، ليكن الماخور هو المصير، ليكن الناس هم الناس، ولكن الجوهر سيكون الحلم لا الواقع، أيهما الأقوى؟ هو الحلم بلا شك، الواقع أن الشرطة كبست البيت، والمرض قتل تحية وابنها، ولكن ثمة قاتلاً آخر هو الحلم، الحلم الذي أبلغ الشرطة، هو الذي قتل تحية، هو الذي قتل الطفل، البطل الحقيقي للمسرحية هو الحلم، هو الذي توفرت له الشروط الدرامية، بذلك أعترف وبذلك أكفر، بذلك أكتب مسرحية حقيقية لأول مرة، أتحدى سرحان الهلالي أن يرفضها، سيعتقد هو وغيره أنني أعترف بالواقع السطحي لا الحلم الجوهري ولكن كل شيء يهون في سبيل الفن، في سبيل التطهير، في سبيل الصراع الواجب على شخص ولد ونشأ في الإثم وصمم بقوة على الثورة”. 
    وتحتوي الرواية كذلك على بعض الإسقاطات على “السلطة” حينها، حيث لاحظت أن نجيب محفوظ قد ذكر الفساد والعهر الذي حلّ بالدولة وقتها حيث قال على لسان”طارق رمضان”: “لا يحيا حياة يسيرة إلا المنحرفون، لقد بات البلد ماخوراً كبيراً، لمَ كبست الشرطة بيت كرم يونس وهو يمارس الحياة كما تمارسها الدولة؟!”، وقال في موضع آخر على لسان “كرم يونس”: “كيف زج بي في السجن في زمن الشقق المفروشة وملاهي الهرم؟”، وقال أيضاً على لسان “حليمة”: “هذا المسرح يشهد عذابي وحبي، شهد أيضاً اغتصابي ولم يمد لي يدا، تحت قبته العالية تدوي شعارات الخير في أعذب بيان وتسفح على مقاعده الوثيرة الدماء”. 
    ربما كان نجيب محفوظ يقارن بين حال مصر قبل وبعد الهزيمة، فحينما سرد “عباس” الحكاية وضح لنا أنه قبل الهزيمة كان ينعم بحياة هادئة مع عائلته فقد قال: “كان بيت الوحدة ولكنه كان بيت الوئام أيضاً، وقتذاك كان أبي وأمي زوجين متوافقين، أو هكذا بدوا لعيني فيما بين الأصيل والعتمة، يتبادلان الحديث والدعابة، ويشتركان في عاطفة صادقة نحوي…”، ثم يتغير الحال بعد الهزيمة كما قال “عباس”: “ثمة تغيير مبهم يزحف بهدوء وحذر كالليل، ليس الصمت هو الصمت، ولا الكلام هو الكلام، ولا أبي هو أبي، ولا أمي هي أمي، أجل لم تكن الحياة تخلو من خلاف أو نقار ولكنها كانت تمضي في إطار معاشرة طيبة، ما هذا الغامض الخفي الذي تسلل بينهما؟ كانت لها إشراقة دائمة فتلاشت، وكان يعيش خارج ذاته في قهقهات وسخريات وملاطفات فانطوى على ذاته، علاقة أمي بي -إلى الحنان القديم- اتسمت بأسى لم تفلح في مداراته أما أبي فأهملني تماماً، تسرب إلى جنبات نفسي قلق وتوقعات مجهولة غير سارة… “، هكذا قارن نجيب محفوظ -على لسان عباس- بين حال مصر قبل وبعد الهزيمة، وبيّن التغير الذي حدث لها بعد الهزيمة. 

    -“أفراح القبة” قد نتساءل لماذا اختار الكاتب هذا الاسم لهذه الرواية، فتأتي الإجابة على لسان شخصية “سرحان الهلالي”: “مكر المؤلفين لا يجوز عليّ، لعلك تشير إلى الأفراح التي تبارك الصراع الأخلاقي رغم انتشار الحشرات، أو لعله من أسماء الأضواء كما نسمي الجارية السوداء صباح أو نور! “. 

    – هذه مراجعة بسيطة للرواية التي أحببتها للغاية، وليكن هذا الاقتباس -الذي ذُكر على لسان “حليمة”- ختاماً لمراجعتي: “الحب أقوى من الشر نفسه”. 

اترك تعليقاً

كتب نجيب محفوظ

مقالات متعلقة

wpChatIcon
wpChatIcon
الرئيسية
حسابي
كتب
كُتاب
متجر