تجربتي السابعة في عالم نجيب محفوظ، دلفت من باب أولاد حارتنا بعد صراع طويل مع صورتها النمطية ثم الحرافيش بواقعيتها السحرية الخلابة، بعدها تملكتني حمى إبداعاته فقرأت الثلاثية وبداية ونهاية سيدتا عالمه الواقعي، والآن اخترت السمان والخريف لشهرتها وتكملة للقراءة في عالمه الواقعي، خاصة أنها من أوائل ما كتب عقب فترة انقطاعه بعد ثورة يوليو.
تبدأ الرواية بذروة الاحتقان قبيل ثورة يوليو، حريق القاهرة القشة التي قسمت ظهر الملكية وسادة عهدها، البطل عيسى الدباغ من أعقد شخصيات عالم محفوظ، نخوض رحلته بكل ما فيها من صراعات وانقسامات نفسية ونقاط انقلاب، رحلة خريف رجل ونظام وأمة، السرد ذاتي يؤجج إحساسنا بكل ما يعانيه عيسى ويجبرنا على تفهمه والتعاطف معه مهما نفرنا منه.
يفقد عيسى منصبه السيادي في مستهل الرواية، يستأنف مسعاه لمصاهرة علي بك سليمان أحد رجال السراي على اعتبار أن إبعاده عن الواجهة حدث عارض، العروس سلوى فتاة سطحية المشاعر والرؤية، تصتدم طموحاته بواقع ثورة يوليو؛ ليفقد منصبه ويحال للمعاش جراء اتجاره بسلطته، ويفقد عروسه المرتقبة تبعًا لذلك.
ينزلق عيسى في متاهات الاغتراب وفقدان القيمة والمعنى، يعاني من فقدان السلطة والجاه عمادا استقراره النفسي، يرفض مساعدة حسن ابن عمه وغريمه التقليدي؛ لينال منصب في العهد الجديد، يأبى كبريائه إلا الانتصار.
يذهب للاسكندرية ويعيش حياة الحرية كاملة دون القيود التي تفرضها السلطة، يقابل ريري بطلة المرحلة الثانية من حياته، بعدما عبرت سلوى عن حالته الأولى حيث المال والجاه والدماثة، جائت ريري بانحطاط شأنها وعبثيتها وشقاوتها هي فتاة الليل لتصحبه مرغمًا أثناء فترة مكوثه عاطلًا، ينبذها بعدما يعلم بحملها، نذل يرى العالم بمنظور انحطاطه.
يعود للقاهرة، يقابل حسن، يزداد كرهه له بعد علمه بزواجه من سلوى، بعدما صار بطل العهد الجديد بعدما كان منبوذ من النظام البائن، وقتما كان عيسى ملئ السمع والبصر بموقفه الحزبي وبطولاته المجيدة وما خفي كان أسوء، لا عجب وسلوى كرة يتلقفها صاحب السلطة، أداة ليظل والدها في الواجهة، ولتضمن والدتها سوسن هانم -ذات المال- الجاه اللازم لابنتها.
يجد العزاء -جزئيًا- بصحبة أصدقائه الثوريين السابقين، بعدما انخرط اثنان منهم في العهد الجديد، فصار إبراهيم خيرت يهاجم الأحزاب وخاصة الوفد في مقالاته بعدما تغنى به طويلًا، وانبرى عباس صديق يثبت ولائه لرؤسائه في الحكومة، أما الثالث أقربه لقلب عيسى سمير عبد الباقي؛ فأثر التصوف ووازن بينه وبين عمله بالتجارة كأنما يسير على الحبل، تظهر النزعة الصوفية في بدايتها عند محفوظ هنا.
تأتي بعد ذلك مرحلة قدرية، ثالث نساء عيسى وثالث مراحل اغترابه، مطلقة تقترب من الأربعين ذات مال وجاه، تسعى أمها عنايات هانم لتزويجها به وهي مطلقة ثلاث مرات وعاقر، وسيلة تأمين لحياة ابنتها في ظل رجل -وإن ذهب بهائه-، تظفر بمسعاها وعيسى الرابح الأكبر، يؤثر حياة الدعة باع نفسه لأجلها ولأجل أي ملمح للجاه.
لا يتحرك عيسى إلا عندما يرى العدوان الثلاثي على مصر، يرغب الجزء الأناني الغضوب من شخصيته في انهزام النظام؛ ليستعيد مجده الشخصي الزائل ولو بعد حين، ولينتصر كبريائه واستشعاره لأفضلية الوفد، نزعته الوطنية تنتصر مؤقتًا ليستعيد بعضًا من شغفه للحياة والعمل، يثور على حياته مع قدرية، ويسعى لعيش حياة طبيعية بلا صفقات.
يقابل ريري صدفة ويرى ابنته “ثمرة الملل من ناحيته والخوف من ناحية أمها”، يعزم على التقرب منها لولا صد أمها له، ينبذ حياته وسلبيته ويعزم على العمل، يلوح شبح انتهاء خريفه بعدما صحب أحد الثوار الذين حقق معه وقتما كان في السلطة، ترى أتكون نهاية رحلة اغترابه ويتزوج للمرة الثانية وتكون له ذرية مثلما تنبأ له قارئ الكف على الشاطئ، أم سيظل يحيى على أنقاض المجد البائد يقضي يومه جيئة وذهابا في شارع سعد زغلول؟
السياسة مسيطرة على الرواية حال أغلب أعمال محفوظ في تلك المرحلة، الرواية مليئة بالتعريض بالنظام البائن ونظام ثورة يوليو على السواء، لكنه تعريض خفي مثل الإشارة للقلم الباركر في يد رئيس لجنة التحقيق.
تجربتي السابعة في عالم نجيب محفوظ، دلفت من باب أولاد حارتنا بعد صراع طويل مع صورتها النمطية ثم الحرافيش بواقعيتها السحرية الخلابة، بعدها تملكتني حمى إبداعاته فقرأت الثلاثية وبداية ونهاية سيدتا عالمه الواقعي، والآن اخترت السمان والخريف لشهرتها وتكملة للقراءة في عالمه الواقعي، خاصة أنها من أوائل ما كتب عقب فترة انقطاعه بعد ثورة يوليو.
تبدأ الرواية بذروة الاحتقان قبيل ثورة يوليو، حريق القاهرة القشة التي قسمت ظهر الملكية وسادة عهدها، البطل عيسى الدباغ من أعقد شخصيات عالم محفوظ، نخوض رحلته بكل ما فيها من صراعات وانقسامات نفسية ونقاط انقلاب، رحلة خريف رجل ونظام وأمة، السرد ذاتي يؤجج إحساسنا بكل ما يعانيه عيسى ويجبرنا على تفهمه والتعاطف معه مهما نفرنا منه.
يفقد عيسى منصبه السيادي في مستهل الرواية، يستأنف مسعاه لمصاهرة علي بك سليمان أحد رجال السراي على اعتبار أن إبعاده عن الواجهة حدث عارض، العروس سلوى فتاة سطحية المشاعر والرؤية، تصتدم طموحاته بواقع ثورة يوليو؛ ليفقد منصبه ويحال للمعاش جراء اتجاره بسلطته، ويفقد عروسه المرتقبة تبعًا لذلك.
ينزلق عيسى في متاهات الاغتراب وفقدان القيمة والمعنى، يعاني من فقدان السلطة والجاه عمادا استقراره النفسي، يرفض مساعدة حسن ابن عمه وغريمه التقليدي؛ لينال منصب في العهد الجديد، يأبى كبريائه إلا الانتصار.
يذهب للاسكندرية ويعيش حياة الحرية كاملة دون القيود التي تفرضها السلطة، يقابل ريري بطلة المرحلة الثانية من حياته، بعدما عبرت سلوى عن حالته الأولى حيث المال والجاه والدماثة، جائت ريري بانحطاط شأنها وعبثيتها وشقاوتها هي فتاة الليل لتصحبه مرغمًا أثناء فترة مكوثه عاطلًا، ينبذها بعدما يعلم بحملها، نذل يرى العالم بمنظور انحطاطه.
يعود للقاهرة، يقابل حسن، يزداد كرهه له بعد علمه بزواجه من سلوى، بعدما صار بطل العهد الجديد بعدما كان منبوذ من النظام البائن، وقتما كان عيسى ملئ السمع والبصر بموقفه الحزبي وبطولاته المجيدة وما خفي كان أسوء، لا عجب وسلوى كرة يتلقفها صاحب السلطة، أداة ليظل والدها في الواجهة، ولتضمن والدتها سوسن هانم -ذات المال- الجاه اللازم لابنتها.
يجد العزاء -جزئيًا- بصحبة أصدقائه الثوريين السابقين، بعدما انخرط اثنان منهم في العهد الجديد، فصار إبراهيم خيرت يهاجم الأحزاب وخاصة الوفد في مقالاته بعدما تغنى به طويلًا، وانبرى عباس صديق يثبت ولائه لرؤسائه في الحكومة، أما الثالث أقربه لقلب عيسى سمير عبد الباقي؛ فأثر التصوف ووازن بينه وبين عمله بالتجارة كأنما يسير على الحبل، تظهر النزعة الصوفية في بدايتها عند محفوظ هنا.
تأتي بعد ذلك مرحلة قدرية، ثالث نساء عيسى وثالث مراحل اغترابه، مطلقة تقترب من الأربعين ذات مال وجاه، تسعى أمها عنايات هانم لتزويجها به وهي مطلقة ثلاث مرات وعاقر، وسيلة تأمين لحياة ابنتها في ظل رجل -وإن ذهب بهائه-، تظفر بمسعاها وعيسى الرابح الأكبر، يؤثر حياة الدعة باع نفسه لأجلها ولأجل أي ملمح للجاه.
لا يتحرك عيسى إلا عندما يرى العدوان الثلاثي على مصر، يرغب الجزء الأناني الغضوب من شخصيته في انهزام النظام؛ ليستعيد مجده الشخصي الزائل ولو بعد حين، ولينتصر كبريائه واستشعاره لأفضلية الوفد، نزعته الوطنية تنتصر مؤقتًا ليستعيد بعضًا من شغفه للحياة والعمل، يثور على حياته مع قدرية، ويسعى لعيش حياة طبيعية بلا صفقات.
يقابل ريري صدفة ويرى ابنته “ثمرة الملل من ناحيته والخوف من ناحية أمها”، يعزم على التقرب منها لولا صد أمها له، ينبذ حياته وسلبيته ويعزم على العمل، يلوح شبح انتهاء خريفه بعدما صحب أحد الثوار الذين حقق معه وقتما كان في السلطة، ترى أتكون نهاية رحلة اغترابه ويتزوج للمرة الثانية وتكون له ذرية مثلما تنبأ له قارئ الكف على الشاطئ، أم سيظل يحيى على أنقاض المجد البائد يقضي يومه جيئة وذهابا في شارع سعد زغلول؟
السياسة مسيطرة على الرواية حال أغلب أعمال محفوظ في تلك المرحلة، الرواية مليئة بالتعريض بالنظام البائن ونظام ثورة يوليو على السواء، لكنه تعريض خفي مثل الإشارة للقلم الباركر في يد رئيس لجنة التحقيق.