فهمى عبد الهادى، شاب بسيط من كفر حتاتة تدفعه الظروف إلى اللجوء لصديقه عبدالرؤوف الذي يسمح له بالمكوث فى شقته فى الزمالك، لتكون رخصته للدخول إلى عالم الزمالك...
احصل علي نسخةرواية من أقصر روايات إحسان عبد القدوس وواحدة من أفضل ما أبدع. رواية حتى لا يطير الدُخان، فريدة من نوعها وعلى الرغم من قِصرها إلا أن ذلك ما يميزها فلم يحتج عبد القدوس إلى التطويل ولكنه أعتمد على كثرة التفاصيل ودقتها.
“إن مِصر ليست مُقسمة إلى أحزاب ولكنها مُنقسمة إلى غُرز.. كُل غُرزة لها أعضاء يخدمون بعضهم بعضًا فى سبيل بناء الوطن”
وبالحديث عن الغُرز والسياسية – وهما مِحور الرواية وإن بدا الإثنين بعيدان كُل البُعد فى نظرك سيربط بينهما عبد القدوس بمهارة وحذق لا مثيل لهما – دعونا نوضح نقطة التقائهما.
تدور احداث رواية حتى لا يطير الدخان حول فهمى عبد الهادى وهو شاب بسيط من كفر حتاتة، ينتقل من مسقط رأسه إلى العيش فى القاهرة – تحديدًا فى حى الجيزة – ليدرس المحاماة معتمدًا على ما تُرسله له الوالدة كُل شهر من بضعة جنيهات – معتمدة هى الاخرى على إسداء الخدمات تارة وبيع بعض الأفدنة تارة – والتى بالكاد تكفيه. حتى تسقط الوالدة طريحة الفراش فيضطر فهمى إلى العثور على كتف آخر ليتكئ عليه حتى لا ينتهي به الأمر على الرصيف.
ولا يجد بالطبع سوى صديقه المُقرب عبد الرؤوف ابن الباشا. والذى بالطبع ينتمي إلى الطبقات العُليا كأغلب أصدقاء فهمى. فيحتويه عبدالرؤوف ويسمح له بالمكوث فى شقته فى الزمالك، أو بمعنى أدق يعطيه رخصة الدخول إلى عالمه فى الزمالك.
وينتقل فهمى بالفعل ليكتشف أسرار شقة الزمالك أو “غُرزة” الزمالك، يقابل ويصادف فيها ما لم يتخيل أن يقابله أو يصادفه. ويضطلع على خبايا وأسرار أقوى الشخصيات – من العهد الملكى إلى بداية العهد الناصري مرورًا بثورة الثالث والعشرين من يوليو – والتى يمكنها أن تطير بسهولة مثلها مثل الدُخان لذلك يحرص فهمى دائمًا على غلق النوافذ!
زمن أحداث رواية حتى لا يطير الدخان بالطبع يعطى طابع سياسى وهو بالضبط المحور الأساسي للرواية. فكان عبد القدوس من أوائل داعمي ثورة ٥٢ والمتحمسين لها وأصدر العديد من الأعمال التي تُثبت ذلك ولكنه سُرعان ما بدأ فى انتقادها كما كان ينتقد العهد الملكى وفى رأيي هذه الرواية أصابت الهدف فإن اختلفت الوجوه يظل الفساد واحد وقد جمعت الرواية بين فساد العهد الملكي والعهد الناصري بفكرة وحبكة غير مألوفة وكان الانتقال ما بين الأحداث سلس وغير معقد ويعطي تبسيط للحالة السياسية والاجتماعية فى تلك الأثناء دون التوغل فى الكثير من التفاصيل المُعقدة فالرواية ملائمة بشكل كبير للقُراء الغير مُحبين للنوع السياسى.
يلعب فهمى طوال الوقت دور الوسيط أو بلغة أبسط يلعب دور “السمسار”. يُشعل سيجارتك ولا يشرب السجائر.. يدعوك لتدخين الحشيش ولا يُدخنه هو.. يُجهز لك امرأة وهو لم يحظ بواحدة قط فى حياته!
ويمكن أن تكون لطبيعة شخصيته هذه مغزًا أو معنًا مُعين كونه طرف ثالث يوضح لنا الصورة دون أن يتدخل فيها. يكشف لنا الأسرار دون أن يكون له سر. يكشف أقنعة الغير دون أن نرى ما يوجد خلف قناعه، ليمثل دور الشعب الذى يقف فى المنتصف.
وربما يمُثل الانتهازيون والوصوليون. وربما أيضًا يمُثل المواطن البسيط الذى تجبره ظروف المجتمع إلى الانحراف والتحريض عليه ليستطيع أن يشتري حلة جديدة أو حذاء جديد كل سنة بدل ثلاث سنوات!
وربما هو نظرة داخل حياة نماذج مثل القواد وصاحب الغُرزة وتاجر المخدرات، الذي “يسترزق” من هذه الأعمال – وأيضًا يقف فى المنتصف: لم يحقق الثروة الهائلة ولكنه لا يعيش “على القد” – لنفهم أكثر ما الذى وصل بهم إلى هذه النقطة؟
وربما الرواية كل ذلك فى شخصية واحدة.. شخصية فهمى. ولا يهم الوصول إلى تحليل وحيد وأكيد فالرواية لها أبعاد كثيرة وتحليلات أكثر وكلها بنفس الأهمية.
مناقشة الرواية:
رأيي الشخصي:
رواية حتى لا يطير الدخان
للكبير إحسان عبد القدوس
*إن مصر ليست منقسمة لأحزاب ولكنها منقسمة إلى غُرز ، وكل غرزة بها اعضاؤها يخدمون بعضهم البعض* .
إستطاع إحسان عبد القدوس أن يجسد حياة الشعب قبل وبعد الثورة في شخصية فهمي بطل الرواية الذي كانت بدايته فقر مقفر وإحتياج شديد ، مرضت أمه فإحتاج للمال لكي يأتِ لها بالعلاج ولكنَّه لم يستطع ، لجأ إلى ( شِلَّة اصدقاؤه ) ولكنهم لم يساعدوه وسخروا منه ومن فقره .
ماتت أمه لعجزة عن علاجها ، كانت هي النقطة الفارقة ، عزم على تغيير واقعه بالتميز والتفوق الدراسي ، ولكن لم يجدي ذاك نفعا فإتجه إلى دُخان الحشيش و عربدة النساء بين الغرز ، وأصر على أن ينتقم من كل اصدقاؤه القدامى ، فتحولت حياته من الفقر إلى مجالسة الأغنياء وذوي السلطة في المجتمع .
ومع اختلاف رواد الغُرز واختلاف ازمنتها ولكن قانونها كان موحد في كل حين ، القانون هو الذي يصنع الرواد لا العكس .